حاولت أن أسبر أغوار موضوع آخر لا يتعلق ببطولة كأس الخليج في نسختها العشرين؛ لكنني لم أستطع أن أغادر أجواء هذا الحدث الذي التف حوله اليمنيون بصورة لم يلتفوا من قبل حول شيء مماثل.. الآباء, الأمهات, النساء, الأطفال، فضلاً عن الشباب، الجميع تابع والجميع تحدث والجميع فرح بهذه البطولة تنظيماً, وحزن وتألم لجهة المستوى المتواضع للمنتخب الوطني والنتائج الهزيلة والخسائر الثقيلة التي مني بها. وللأمانة من حق الجانب الرسمي والجهات المعنية أن تتحدث عن النجاح الأكبر المتعلق بتنظيم البطولة وسط أجواء آمنة ومستقرة خلافاً لكل ما أشيع حول اليمن وهذا التحدي الأكبر؛ نجحت بلادنا فيه بامتياز. وبغض النظر عن نتائج المنتخب الوطني باعتبار أن المنتخبات الأخرى احتاجت إلى وقت طويل حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.. لكن في المقابل من حق الناس أن يعربوا عن حزنهم وسخطهم ونقمتهم على وزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة قياساً بما دفع من أموال لتجهيز هذا المنتخب وما حصدناه من نتائج خيبت الآمال ولم تروِ عطش اليمنيين لانتصارات ولو كروية تعوض إخفاقات الكثير من الجوانب والنواحي الحياتية والمعيشية الأخرى!!. وحتى نكون منصفين يجب أن نقرأ الأمور بقراءة علمية ومنطقية دقيقة ونشخص القصور؛ هل هو عند اللاعبين والجهاز الفني أم لدى المسؤولين عن الرياضة والكرة, أم أن الخلل من جانب المواطنين والجماهير اليمنية التي تشطح بطموحاتها وأحلامها بصورة كبيرة دون مراعاة للواقع؟!. في عام 2002 كان لدينا منتخب ناشىء أبهر الجميع وتصدر تصفيات مجموعته الآسيوية في صنعاء ليتأهل للنهائيات الآسيوية في الإمارات، ويومها حقق نتائج أذهلت كل المتابعين والمراقبين وتأهل لبطولة كأس العالم لأول مرة في تاريخ الكرة اليمنية التي كانت تطمح فقط للوصول إلى النهائيات الآسيوية، خسر هذا المنتخب يومها نهائي كأس الأمم الآسيوية أمام كوريا الجنوبية العريقة كروياً وبضربات الترجيح، لكنه كان قد ضمن مقعداً بكأس العالم في فنلندا. وفي ذلك العام الذي صادف الذكرى الأربعين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر, اكتفى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بالاحتفاء بهذه الذكرى باستقبال هذا المنتخب الذي أسماه “منتخب الأمل” وتكريم لاعبيه وطاقمه الفني. ويومها قال بالحرف الواحد: «نحن حققنا الإنجاز بكادر ومدرب وطني، لكن المرحلة القادمة ونهائيات كأس العالم تستدعي المزيد من الجهد والتخطيط، وليس عيباً أن نستعين بخبير أجنبي». لم يتم الاستعانة بمدرب أجنبي، وخضنا نهائيات كأس العالم في مجموعة صعبة، حيث خسرنا أمام البرازيل بثلاثية نظيفة، وخسرنا بصعوبة أمام البرتغال، وكان السبب سوء التحكيم، وتعادلنا مع الكاميرون، وكانت نتائجنا منطقية ومعقولة. لكن كان الجميع يؤكد ويتوقع أن يتم الحفاظ على هذا المنتخب ورعايته بصورة علمية ومنهجية وفق استراتيجية واضحة.. تماماً مثلما فعل الأشقاء السعوديون حين أحرز منتخبهم للناشئين كأس العالم في اسكتلندا عام 1989م. وكانت عناصر ذلك المنتخب هي الجيل الذهبي للكرة السعودية، حيث وصلوا إلى كأس العالم للكبار لأول مرة عام 1994 وعززوا ذلك بالتأهل إلى نهائيات 1998 و2002 و2006 على التوالي، وأحرزوا في 1994 لأول مرة كأس الخليج، ثم للمرة الثانية في 2002 والمرة الثالثة في 2003 بنفس أولئك النجوم الذين حصدوا أيضاً كأس أمم آسيا 1996. غير أن ما حدث لدينا هو أنه تم تشتيت ذلك المنتخب الذي لو تم الحفاظ عليه لكان حقق إنجازات كبيرة وتأهل إلى كأس العالم وحصد لقباً خليجياً وآخر آسيوياً. وبالتالي عندما يتحدث المعنيون عن الرياضة بأنه تم إنفاق ستة مليارات على هذا المنتخب ومعسكرات وأكثر من 32 مباراة ودية؛ فإن ذلك لا يعني تنصلهم من تحمل مسؤولية الخسارة، فهذا الإنفاق وهذا التحضير كان في فترة قصيرة ومثل المشاريع المسلوقة. كان الأجدر الحفاظ على أولئك الناشئين وبناء قاعدة كروية تبحث عن المواهب وترعاها ولن يكلف ذلك كثيراً، لكنه كان سيمثل بناء صحيحاً ومتدرجاً، كنا سنخوض خليجي عشرين بمنتخب غير مسلوق!!. [email protected]