قبل حين كتب الكثيرون عن مقولة “ دهاء التاريخ “ وافاضوا في الحديث عن القوانين الموضوعية التي تحكم حركة التاريخ، وكيف أن العقل السياسي والمراقبين الحصيفين لايستطيعون التنبؤ بما سيحدث غداً أو بعد . وفي أيامنا رأينا مثل هذا الأمر مع السقوط الحر المدوي للاتحاد السوفيتي، وهو أمر لم يجُل بخاطر أحد ، ولا توقعه مراقب سياسي، وعلى ذات المنوال رأينا انهيار دولة الشاه في ايران بين عشية وضحاها، ثم تواصلت المتوالية هنا وهناك لتؤشر الى هذه الحقيقة التي يتأبّى عليها من يعتقدون بأنهم ملكوا البر والبحر والجو، متناسين أن جندهم وعدتهم وعتادهم ليسوا خارج الذاكرة الجمعية للأمة، وأنهم بهؤلاء الجند لا يستطيعون قهر ارادة الشعوب، الناجمة عن المظالم والاحساس بالقهر، والشعور بالغبن الدائم . هذا هو بيان التاريخ لمن له عقل أو قلب، ومن المناسب أن نتأسّى هنا بالحكمة الصينية بعد أن واجهت الصين احتقاناً اقتصادياً وحياتياً بعد الثورة الثقافية الصينية العارمة، فجاء الزعيم الحكيم «دينغ تسياو بنغ» ليجترح مأثرة غير مسبوقة، وليقرر التحول إلى اقتصاد جديد، مُفسراً فلسفته بعبارة بسيطة في ظاهرها، عميقة المغزى في جوهرها.. قال: ليس مهماً ما لون الهرة ، بل المهم أن تجيد اصطياد الفئران. وبهذا الخيار انتقلت الصين نقلة نوعية نحو اقتصاد انتاجي مزدهر، ودولة لا مركزية مًركّبة، وأبقت على فضائل الحماية الاجتماعية الاشتراكية، ولقّنت الايديولوجيين، وعبدة النماذج الجاهزة في مختلف أرجاء العالم درساً في فن القيادة والادارة والتسيير . لا نستطيع في هذه العجالة الحديث عن مآثرالتجربة الصينية مقابل الاخفاقات العربية البادية للعيان، لكنني أعتقد جازماً أن النظام العربي يستطيع أن يباشر إصلاحاً جوهرياً يتناسب مع العصر وقيمه، وأن منطق الترغيب والترهيب لا يجديان نفعاً، فالاستحقاقات الماثلة تتجاوز خزانة الترغيب، وانكشاف الحال والمآل أقوى من السجون والمعتقلات في زمن الأجواء المفتوحة، والتداخلات العالمية الواسعة. [email protected]