سحر الاقتصاد الصيني ليس مقطوع الصلة عن سرها السياسي والثقافي ،لذلك فإن أية قراءة لهذا المارد الاقتصادي الجديد يفترض أن يضع بعين الاعتبار تلك المقدمات التي لم تكن مستوعبة من قبل المراقبين التقليديين .ففي اليوم الذي أعلنت فيه الصين ماسمي حينها بسياسة العصرنات الأربع في مجالات الصناعة والتجارة والخدمات في الستينيات من القرن المنصرم استغرب الكثيرون بل استنكفوا أن تكون الصين الشيوعية باقتصادها الحمائي وسياستها الشمولية قادرة على تحقيق منجزات استثنائية في تلك الجوانب،غير أن السفينة أبحرت بعيداً في هذا الجانب وكانت العلاقات التكنولوجية مع كبريات الشركات اليابانية بداية البداية على طريق الألف ميل .. تالياً قام الرئيس الصيني الراحل (دينغ تسياو بنغ ) باجتراح مأثرة ( اقتصاد السوق الاشتراكي ) .. أيضاً،وأمام استغراب وذهول المراقبين، وكانت النتيجة ازدهاراً عظيماً في الصناعات الخفيفة،والحيوية التبادلية التجارية الدولية،ومؤشرات نمو غير مسبوقة .. مازالت تتواصل إلى يومنا هذا . إثر انهيار الاتحاد السوفيتي توقع الكثيرون أن تتأبّى بكين على سياسات صندوق النقد الدولي الخاصة بالتعويم النقدي .. فإذا بالصين تتخذ قراراً بإنزال العملة الصينية إلى سوق التداول الحر وذلك بعد حساب دقيق للحقل والبيدر،فراح «اليوان » الصيني يتبختر غير معول بالدولار الأمريكي أو الين الياباني هذه الجرأة في اقتحام نواميس عالم ما بعد الحرب الباردة لم تأت من فراغ، بل سبقتها جملة الإجراءات الصعبة والاقتحامية التي دأبت الصين على اتخاذها منذ الأيام المبكرة للعصرنات الأربع .. لذلك فإنه ليس من الغريب أن نشاهد على التلفزيون الصيني ذلك الخطاب الواثق والعامر بالتحدي . قال المسؤول الأول عن الرحلات الفضائية الصينية موجهاً حديثه لخبراء الفضاء الصينيين : علينا أن نهيئ أنفسنا للمكانة الأولى في عالم الفضاء !! .. هكذا قال بكل ثقة ووضوح،كأنه يستقرئ القادم . مثل هذا القول يحتمل الكثير من التفسيرات وربما التشكيك لكن المقدمات تشير إلى أن الصين تستفيد من أفضلياتها غير المتوفرة في أي مكان آخر .. ولقد ازدادت هذه الافضليات بعودة (هونج كونج ) وجزيرة ( مكاو) إلى الصين الأم .. وازدادت بفضل الانفتاح غير المسبوق على الشركات العالمية العابرة للقارات والباحثة عن بيئة استثمار وتشغيل كالصين . أليس في كل هذا سحر يتصل بطبيعة الصين وثقافة التاريخ الخاص لبلد المليار والربع إنسان ؟[email protected]