من المعروف تاريخياً أن الصين تعرضت لغزو ياباني عنيف خلال الحرب العالمية الثانية، وتحمّلت آلاماً وويلات مازالت شاخصة في أذهان الصينيين إلى يومنا هذا، ومن المعروف أيضاً أن الصين خرجت من تضاعيف تلك الحرب واستتباعاتها وهي محتفظة بهامتها واستقلاليتها، ولهذا السبب تحولت الصين إلى أكبر قلعة عسكرية اقتصادية آسيوية، وأصبح حضورها النوعي آسيوياً ودولياً أمراً مشهوداً، كما نسجت الصين منذ فترة مبكرة من ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم علاقات اقتصادية واسعة مع اليابان مما كان له إسهام غير مباشر فيما سمي حينها بسياسة «العصرنات الأربع»، ثم لاحقاً بالانفتاح تحت مسمى «اقتصاد السوق الاشتراكي» التي عبّر عنها الزعيم الراحل «دينغ تسياو بنغ» تعبيراً فلسفياً براغماتياً صينياً، قائلاً : «ليس مهماً ما لون الهرة .. المهم أن تجيد اصطياد الفئران»، والحقيقة أن «دينغ تسياو بنغ» ما كان له أن ينجز مأثرته لولا مُقدمات التعاون التقني مع كبريات الشركات اليابانية «فوق القومية»، حيث بدأ التعاون معها في خواتم العقد السادس من القرن العشرين، وتواصل بوتيرة صاعدة إلى يومنا هذا. استفاد الصينيون من فكرة جوهرية تبنّتها اليابان، ومُلخصها التخلّي عن سياسات الحماية التكنولوجية ترجيحاً لكفة الأبحاث العلمية ومنطق التطوير الدائم، وهو أمر كان صعب المنال مع التكنولوجيا غير اليابانية، وهكذا بدت النمور الآسيوية في سباق مع المستقبل، فيما قبعت الأُسود الأوروبية الأمريكية في مربع التنافس البيني المحكوم بسياسات حمائية صارمة للتكنولوجيات الوطنية في بلدانها، الأمر الذي أضر بالأبحاث العلمية والتطوير في أوروبا والولايات المتحدة. أثبت التاريخ حكمة الآسيويين الصُفر، والشاهد مثابة هؤلاء في الاقتصاد الدولي المعاصر الذي لا يقاس بالكم، بل بالنوع، فالاقتصاد الياباني يوازي أربعين في المائة من الاقتصاد الأمريكي من النواحي الكمية، لكنه يتمتع بمرونة فائقة وميزات صاعدة يعترف بها الأمريكان أنفسهم. كانت الصين ومازالت مُمتنّة للتعاون مع النمر التكنولوجي الياباني مخلوع الأظافر، وفي حساباتها المؤكدة أن استمرار هذه الحالة يصب في صالح الصين بوصفها نمراً بمخالب حادة. ولهذا السبب سترضى الصين كثيراً ببقاء اليابان على حالها، وستعتبر هذا الأمر في ميزان أفضلياتها النسبية، وآخر الأدلة القاطعة المانعة على ذلك الإشادة الدالة لرئيس الوزراء الصيني «وين جيا باو» بسياسات الحكومة اليابانية الجديدة التي لتوّها أبدت حسن النية بعد أن قام رئيس الوزراء الياباني بتقديم تعهد بعدم زيارة ضريح «ياسوكوني» لقتلى الحرب، حيث دفن في الضريح زعماء يابانيون أدينوا بجرائم حرب، الأمر الذي أثلج صدور الصينيين، وأفضى إلى بوح استثنائي بأن الصين تتوق إلى معاضدة اليابان في التغلب على آثار الأزمة الاقتصادية الدولية. ورد ذلك على لسان رئيس الوزراء الصيني «وين جيا باو».