النموذج الروسي ينطبق في أُفق ما على النموذج الصيني أيضاً، بالرغم من الفوارق، فالصين لم تعد لاعباً أيديولوجيا في المسرح الدولي، وهي ليست معنية من قريب أو بعيد في تعميم نموذجها،لأنها تؤمن بأن النماذج تتغير بحسب المصلحة .. هكذا قال الرائي «دينغ تسياو بنغ» عندما سُئل عن خياري الاشتراكية والرأسمالية .. قال : ليس مُهماً ما لون الهرة ، بل المهم أن تجيد اصطياد الفئران !!. هذه البراغماتية الفلسفية المعجونة بعقيد “التاو” الصينية هي الرافعة الكبرى لسياسات الصين مع الغير، والتاو الصيني يستمد قوانينه من الطبيعة المتغيرة والعامرة بالحياة والموت معاً .. بالاسترخاء والعنف معاً، بل بالسلام والوحشية في آن واحد. الصين لاعب اقتصادي وتجاري يتعمْلق ويزداد رسوخاً وحضوراً يوما بعد يوم، ولهذا السبب تتحول السياسة الصينية في علاقتها بالخارج بالتوازي مع مصالحها الاستثمارية والتجارية، وتنخرط الصين في علاقات تبادلية مع الولاياتالمتحدة ودول غرب أوروبا، وتتعاظم أفضليات مكانتها التجارية في التبادل، ولهذا يتغير احتسابها لميزان المصلحة بطريقة تجعل ما كان مستبعداً بالأمس ممكناً اليوم. هذه الحقائق الدولية الدامغة تتنافى مع النزعة الغنائية الفارغة التي يتغنّى بها الكثيرون ممن أُصيبوا بداء الإقامة في أيديولوجيا الماضي، فالعالم المعاصر لم يعد يعرف النموذج والمثال، والتجربتان الصينية والروسية خير شاهد على ذلك. ها نحن إذاً أمام براغماتية فلسفية تستمد جذور الحكمة من التاريخ والجغرافيا، ويُخيل إلي أن هذه الفلسفة تشكل قارب إنقاذ لمن غرقوا في جحيم الرأسمالية المتوحشة المستوردة من نواميس القرون الماضية، وكذا الذين استغرقوا في الأوهام حد الثمالة. [email protected]