كانت الصين الشعبية ومازالت تسجل مآثر في الأدب السياسي المعاصر، كما في الحياة الواقعية، فمنذ حين اجترح الزعيم الصيني الإصلاحي الكبير «دينع تسياو بنج» مأثرة النظام الاقتصادي الذي يمزج بين حسنات الرأسمالية والآفاق الإنسانية الحمائية الاجتماعية للاشتراكية عندما قال بأنه ليس مهماً ما لون الهرة ، بل المهم أن تجيد اصطياد الفئران ، وتمّت ترجمت هذا الشعار من خلال «نظام السوق الاشتراكي» وهو النظام الذي أدخل تغييرات هيكلية في البنية الاقتصادية، فيما حافظ على أفضليات الاشتراكية، ولم يكشف ظهور ملايين الصينيين الذين ظلوا مشمولين بنظام الرعاية الاجتماعية. وعندما استلمت الصين مستعمرتي “ هونج كونج وماكاو” اجترح دينغ تسياو بنج مأثرة أُخرى غير مسبوقة، حيث رفع شعار “ صين واحدة ونظامان “، وتمّت ترجمة هذا الشعار عملياً من خلال الحكم المحلي واسع الصلاحيات، وتمكين سكان هونج كونج وماكاو من أن يديروا شؤونهم الداخلية بأنفسهم، والإبقاء على كامل الأنظمة المالية والإدارية والقانونية التي سادت فترة ما قبل عودة الإقليمين للوطن الأُم، وزادت الصين على ذلك بأن اعتمدت استمرار هذا الوضع لنصف قرن!، وخلال فورة الأزمة المالية الدولية التي تضررت منها هونج كونج قامت الصين الشعبية بتغطية العجز وتمكين هونج كونج من الإبحار مجدداً، فكانت الحاضن الكبير للإقليم، والسند المتين لشعبها. قبل أيام احتفلت الصين بمناسبة مرور عشر سنوات على استقلال “ ماكاو” وعودتها للوطن الأم، وقد قام الرئيس الصيني بزيارة خاصة للإقليم، لكن الأهم من هذا وذاك أنه دشّن بناء أكبر مدينة جامعية ستوفر فرصاً هائلة للعمل والتطوير التقني والعلمي، وأكد في كلمته على صوابية وحكمة مبدأ «صين واحدة ونظامان» ، وتمنّى على الرئيس التنفيذي والحكومة في ماكاو السير على درب العمل الناجز وفق مرئيات الحكم المحلي واسع الصلاحيات والذي يشمل كل جوانب الحياة ماعدا الدفاع والسياسة الخارجية . تلك تجربة تستحق الالتفات.. وقبل أن أُنهي هذه الخاطرة أود الإشارة إلى معلومات أساسية عن «ماكاو » حتى نعرف مغزى ودلالة الحكمة الصينية .. ماكاو مدينة واحدة مساحتها أقل من 3 آلاف كيلومتر مربع !! ، وعدد سكانها نصف مليون نسمة، وموردها الأساسي من الخدمات السياحية، وأغلب سكانها من الصينيين “ حوالي 90 في المائة”. في “ ماكاو” وقبلها “ هونج كونج “ قدّمت الصين نموذجاً عبقرياً لوحدة الهوية القائمة على التعدد واحترام نواميس التاريخ والجغرافيا حتى وإن طال الأمر نقطة في بحر الصين الكبير.