منذ عقود من الزمن كتب الزعيم الصيني ماوتسي تونغ مقالاً بعنوان « رُبّ شرارة أحرقت سهلاً »، وجاءت تلك المقالة عطفاً على انتفاضة الفلاحين الصينيين في إقليم خونان الصيني الواسع، وكان أمام الحزب الشيوعي الصيني الذي سيطر لتوّه على البلاد أن يحدد موقفه من تلك الحركة، وكانت قيادات الحزب ترى أن هذه الحركة العفوية مُجافية لمرئيات الحزب، غير أن ماوتسي تونغ كان له موقف مُغاير، وقد حرص على محاصرة تلك الحركة بالتبنّي، والتداعي معها بطريقة براغماتية تضع بعين الاعتبار قوة الدفع الأساسية التي مهّدت لتلك الحركة، وبغض النظر عن سلبياتها . أدرك ماوتسي تونغ أن شرارة اقليم خونان ستعم الصين الكبيرة، وأن تصدي الحزب لها سيسحب البساط من تحت القيادة الصينية، وأن اندفاع الجماهير العفوي لم يأت من فراغ . يومها كتب المقالة التي أشرنا لها بعنوان « رُب شرارة أحرقت سهلاً » ، ولكي يُحاصر تلك الإشارة المقلقة التي انبثقت من خونان تبنّاها وأيّدها واستوعب تبعاتها، فكانت النتيجة تجيير الفعل لصالح الحزب الشيوعي الصيني . في ذلك الزمن من ستينيات القرن العشرين المنصرم لم يكن حزب يساري يستوعب ما فعله الصينيون، ولم يكن اليسار السياسي الدولي يستوعب فكرة التحاق الحزب بالجماهير، بل كانت تلك الأحزاب تعتبر نفسها الرائية الوحيدة للمجتمع الألفي الجديد المُزدهر، وترى في أيديولوجيتها الحق الذي لا يأتيه الباطل من قبلُ ومن بعدْ، لكن الحكمة الصينية المقرونة بالتقاط نواميس اللحظة التاريخية والتداعي معها جعلت الحزب الشيوعي الصيني متفرداً في موقفه، مُغايراً لغيره من أحزاب اليسار الدولي . هذه العملية الذكية تواصلت تباعاً حتى وصلت الصين الى قناعة بأن الأنساق المتضادة قد تتّحد لصالح الأوطان، وهذا ماحصل تحديداً بعد الثورة الثقافية الصينية عندما تصدى الزعيم الصيني، والوريث الأريب لفكر ماوتسي تونغ الزعيم دينغ تسياو بنج .. تصدّى لمحنة الاقتصاد الاشتراكي المكبل بالبيروقراطية والدواوينية الثقيلة، فأطلق مشروعه الإصلاحي الكبير ذا النزعة البراغماتية الفلسفية والذي مازال يعيد انتاج ثماره الزاهرة إلى يومنا هذا . [email protected]