الشرارة التي انطلقت ذات يوم من اقليم خونان الصيني شبيهة في أُفق ما بشرارة تونس وانتفاضة شعبها ضد الظلم، غير أن الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم يكن في مثابة ماو تسي تونغ، ولم يلتقط الاشارة إلا متأخراً، ومتأخراً جداً، كعادة الحكام العرب، وحينما وقف يُخاطب الجمهور التونسي بأنه الآن عرف شعبه، كان شعبه قد تجاوز حد القبول بالوعود، وحينما وجّه الجند بالتصدي للإنتفاضة كان الجنود قد وصلوا إلى قناعة بأنهم ليسوا مستعدين لقتل أبناء جلدتهم . لم يلتقط بن علي الاشارة، ولم يتصرف في الوقت المناسب، فكان ما كان مما ستسطره الأيام وتتحدث به الرُكبان إلى ماشاء الله . تالياً واستتباعاً كانت مصر هى اللهب الأكبر، والكبريت الأحمر، غير أن النظام لم يلتقط الاشارة أيضاً، فأمعن في إقامته التليدة عند تخوم الأمن والجيش وقوى القمع التي بدت طبقية بامتياز، فالأمن الذي واجه التغيير بالتخلّي عن مسؤوليته في حماية الجمهور، واستدعاء الاساليب الخفائية في مواجهة التظاهرات أثبت أنه ليس أمن الشعب، بل العكس تماماً. ومهما كانت مبررات البعض إلا أن قيادة الأمن المصري ووزارة الداخلية أسهمت من حيث لا تحتسب بتأجيج النيران الحامية، وتوسيع نطاق اللهيب الحارق الذي لن يقف عند تخوم الكنانة، بل سيواصل مدّه العاتي إلى أربع أرجاء العالم العربي المتشابه حد التناسخ، وكأنما خرجت الأنظمة العربية من رحم أُم واحدة، كما كان جابريل جارسيا ماركيز يصف الديكتاتوريات الفولكلورية في اميركا اللاتينية. في مصر وتونس كانت الاستجابة لحركة الشباب العفوية والمُنزّهة عن الايديولوجيا والاجندات السياسية متأخراً، بل ومترعاً بالمكابرة والعناد ، ولهذا تحولت تلك الحركة إلى سبب جوهري لسقوط النظامين، بغض النظر عن طريقة السقوط، فإذا كان سقوط نظام بن علي حراً حد التداعي المفتوح مع دواعي الثورة الشعبية، فإن سقوط نظام حسني بدا نيرونياً بامتياز «نسبة الى نيرون روما» الذي أحرق عاصمة امبراطوريته نكاية بالانتفاضة الشعبية ضد نظامه، لكن نيرون خبا وتلاشى، فيما بقيت روما وجماهيرها إلى يومنا هذا وحتى يوم الدين . [email protected]