وسر تطورها وازدهارها, كما انه صمام أمان المجتمعات البشرية وقاعدة أمنها واستقرارها عبر التاريخ, ولذا جاء الأنبياء والرسل بالتشريعات السماوية العادلة والمنصفة التي تكفل تحقيق العدل بين البشر على حد سواء وتقطع دابر الظلم باعتباره مفسدة وجرماً كبيراً يؤدي إلى هلاك المجتمعات أو انهيار مؤسساتها الحاكمة ونظمها السياسية أو الدخول في صراعات ومتاهات الفتن التي قد تأتي كنوع من العذاب والعقاب الجماعي نتيجة للظلم والجور وانتشاره في تلك المجتمعات, ولأن الظلم فعل شنيع وعمل بشع فإن الله سبحانه وتعالى قد حذرنا منه أشد التحذير كما في الحديث القدسي أو فيما معناه “يا عبادي إني قد حرمت الظلم على نفسي وجعلته حراماً بينكم فلا تظالموا”, وكثيرة هي آيات القرآن الكريم التي تنهانا عن الظلم وتحذرنا منه, وقد بيّن لنا الله عز وجل في القرآن الكريم كيف انه أهلك الكثير من الطغاة والظلمة من أمثال فرعون وقارون والنمروذ وعاد وثمود وغيرهم من القرى التي ظلمت فكان مصيرها الهلاك . إن مسألة توخي العدل وتحقيقه بين الناس في صلب العقيدة الإسلامية غاية في الأهمية لأن تحقيق العدل من شأنه ضمان الأمن والسكينة والسلام الاجتماعي وهذا ما حدث فعلا في أيام النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» والخليفة الراشد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه», الذي كان ينام في العراء تحت شجرة من دون حراسة أمنية أو مرافقين, ولذلك قيل فيه “حكمت فعدلت فأمنت فنمت”, أي أن الأمن مرتبط بتحقيق العدل وفقاً لتلك المقولة المشهورة, ولو أن الخليفة عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كان يدرك انه قد حكم وظلم ما نام في العراء تحت شجرة من دون حراس يحمونه من مظلوم يترقب الفرصة لينتقم ممن ظلمه . كما أن العدل يوفر الرخاء والغنى ويقضي على الفقر في المجتمعات والدول التي تحرص وتتوخى تحقيق العدل وخير مثال على ذلك هو الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي تولى الخلافة في وقت بلغت فيه المظالم ذروتها خاصة من قبل أفراد بني أمية والمتنفذين في دولتهم وكان الفقر والعوز قد انتشر بين عامة الناس نتيجة استئثار القلة القليلة على أموال المسلمين في ذلك الوقت, فما كان من عمر بن عبد العزيز «رضي الله عنه» إلا أن صادر تلك الأموال وردها إلى بيت مال المسلمين ورد المظالم إلى أهلها ومنع الولاة والقضاة وكبار الموظفين من ممارسة التجارة وخيّرهم بين مزاولة التجارة أو الاحتفاظ بالمنصب.. تلك الإصلاحات السريعة والشجاعة التي قام بها الخليفة عمر بن عبد العزيز سرعان ما انعكست على كافة الناس خاصتهم وعامتهم بالخير والرفاهية والغنى، لدرجة أنه كان يطاف بالصدقات في أنحاء الدولة الإسلامية الشاسعة آنذاك فلا يوجد فقير أو محتاج يأخذها. إن الفساد المالي والإداري في زمننا هذا هو ظلم كبير, حيث يتم من خلال هذه الطريقة سرقة المال العام وتحويله إلى حسابات خاصة لبعض كبار الموظفين وهو ما يزيد من الفقر والبطالة في المجتمع, كما أن حرمان الموظف الصغير من راتبه الذي يستحقه وفق النظام والقانون هو ظلم كبير وجرم شنيع فأين أصحاب الضمائر الحية من هذا؟ كما أن جباية فاتورة الماء والكهرباء من المواطن المسكين والضعيف وترك الشيخ أو المسؤول أو المتنفذ ... الخ ظلم كبير أيضاً وجرم وإثم ومفسدة ما بعدها مفسدة، فأين أصحاب الضمائر الحية وأين الوطنيون أصحاب النفوس العفيفة والشريفة من كل هذا؟ كما أن توظيف بعض الناس خلافا لقواعد المنافسة والمفاضلة والقوانين المعمول بها ظلم كبير ومفسدة تجلب لنا بالتأكيد البلاء, وكذلك تعيين بعض الشخصيات المعروفة بفسادها وسرقتها للمال العام وترك الشخصيات الشريفة والنزيهة والكفؤة وإهمالها أيضا ظلم كبير وتخبط ما بعده تخبط.. وأخيراً أود أن تصل رسالتي هذه إلى كل مسئول وان تلامس ضميره وقلبه ووجدانه وليس عيباً أن يراجع الإنسان نفسه ويكفر عن أخطائه ولكن العيب هو الإصرار على الخطأ والاستمرار فيه. * باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]