للمرحوم الشيخ العلامة إبراهيم بن عقيل مفتي تعز سيرة طيبة لدى الناس كما هو الحال ولده سهل، أمد الله تعالى في عمره وعافاه، ويعلم الجميع أن الشيخ إبراهيم، رحمه الله تعالى، كان معلماً في المدرسة الأحمدية أيام الحكم الإمامي البائد ثم ماتلاه من عهود، وتخرج على يديه الكثير من العلماء، ما زال البعض منهم يؤدي دوره حتى اليوم، ومنهم ولده الشيخ العلامة، سهل بن إبراهيم بن عقيل والذي خلف والده كمفتي لتعز، وقد كان لصحيفة "رأي" هذه الوقفة معه وتوجيه بعض الأسئلة إليه والتي أجاب عليها بالآتي: حاوره/أحمد البخاري هل لكم مشاركات في الملتقيات الدينية التي تقيمها المكاتب الحكومية ومنظمات المجتمع المدني؟ - بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحابته ومن والاه وبعد... فإنه بالنسبة لمشاركتنا في الملتقيات الدينية التي تقام فإننا نشارك فيها سواءً دعينا أم لم ندعَ، ولكن ونتيجة للظروف الراهنة التي تمر بها اليمن يحصل في بعض تلك الملتقيات، طرحاً لا يرتقي إلى مستوى رأب الصدع والتأليف بين القلوب، وإنما يتحول إلى طرح يغلب عليه الهوى وعدم قبول الرأي الآخر، وهو مما يؤدي إلى التحريش وإثارة الفتنة، واللفظ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع و هذا أدى بنا إلى الإحجام عن تلك المشاركات في كثير من الأحيان. قيادة المحافظة ممثلة بالأخ الأستاذ حمود خالد الصوفي شخصية تتحلى بالعلم والقدرة على المخاطبة وحقق للمحافظة العديد من الإنجازات، ما قولكم بهذا الطرح مع الإشارة إلى أن هناك بعضاً من المواطنيين لا يقرون بذلك؟ - هناك مثل يرتقي إلى مستوى الحكمة المكتسبة وهو رضى الناس غاية لا تدرك فلا يمكن أن تتحد نظرتهم أو يتم جمعهم على أمر سواء إلا أن يشاء الله تعالى، ولذا فإن الأخ حمود خالد الصوفي، محافظ المحافظة، وكما عرفته عن كثب رجل عملي وله نظرة بعيدة وثاقبة للأمور، ونلمس من خلال خطاباته وسعيه ورؤاه أنه صاحب حصافة وخلفية ثقافية وعلمية، والحمد لله أنه يستثمر هذا كله في مصلحة المحافظة وأبنائها، ولكن إذا كان لابد من نصيحة يجب تقديمها في هذا الجانب فهي للأخ المحافظ بأن يكون تعامله مع الجميع تعامل الراعي العادل في ولايته على الناس الذين حمل أمانة رعايتهم والعدل فيما بينهم وإذا صودف ووقف في باب ولايته مواطن ضعيف أو مريض أو ذو عيال وفقير ألجأته الحاجة إليه فلا يرده خائباً، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول (خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر) عن/ ابن عمر بن حبيب/ أخرجه/ الدولابي في الكنى. ولذا فليس من العدل أن ينحصر العطاء ومديد العون وقضاء الحاجة لذوي القرابة أو المعرفة، أو القبيلة، أو الفئة، أو الحزب فإن هذا السخاء لا يقصد به وجه الله تعالى، ونأمل أن لا يكون ما ذكرناه من صفات محافظنا العزيز الأستاذ حمود خالد الصوفي، ومما أحب أن أخص به الأخ المحافظ هو في ضرورة تفعيل دور المرتكزات الأربع التربية والتعليم، الأوقاف، الصحة، الأمن، وبهذه المناسبة نتساءل أين هو مردود الأوقاف في م/تعز؟ هل ينفق منها على يتيم؟ هل يكسى منها عاري؟ هل يتعلم منها جاهل؟ هل يؤوى منها متشرد مع أن الأوقاف خصصت للأغراض المذكورة. ومما يحسب لقيادة محافظة تعز ومجالسها المحلية، هو التنظيم الحاصل في الأسواق، وإخراج أسواق القات من قلب المدينة، وهذا أدى إلى التخفيف من هذا البلاء الذي أصاب الناس في معيشتهم وصحتهم، وجعلهم يقصرون في واجبهم وعبادتهم. كيف تصفون العمليات الإرهابية التي تنفذها بعض الجماعات المنتسبة للإسلام تحت مسمى الجهاد في سبيل الله فيقتلون المعاهدين والمستأمنين من السياح وزوار البلاد وكذلك قتل المواطنين الأبرياء؟ - القتل غير المبرر جريمة، لايقره دين الله الحق الإسلام، ومن ذلك التعدي على من يدخل بلاد المسلمين من غير المسلمين من المعاهدين والمستأمنين كالسفراء والسياح وغيرهم، لأن هؤلاء ليسوا بأعداء محاربين للإسلام والمسلمين، وميادين الجهاد في سبيل الله معروفة اليوم ك(فلسطين، والعراق، وأفغانستان)، ولكن إذا عجز بعض أبناء الإسلام عن بلوغها، فليس عليهم نقلها إلى بلاد عربية وإسلامية آمنة، فيقتلون المعاهدين والمستأمنين وحتى المسلمين، ويظهرون أبناء الإسلام وكأنهم قتلة وقطاع طرق قد خلت قلوبهم من الرحمة، ومن ينفذ هذه الأعمال لا يخدمون سوى أهوائهم، وهم بهكذا أعمال لن يهدوا إلى دين الله تعالى حتى أخف الناس عقلاً، فأين هم من أولئك الآباء والأجداد الكرام من التجار الذين نشروا الإسلام والدعاة إلى دين الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وبمكارم الأخلاق وحسن المعاملة والذين خرجوا من أنحاء اليمن تباعاً إلى شتى مناطق أفريقيا وشرق آسيا كماليزيا واندنوسيا وغيرها التي أصبحت أكبر دولة إسلامية في عدد سكانها من المسلمين، تلك البلاد لم تبلغها جيوش المسلمين فتفتحها لدين الله تعالى، ولكن بلغتها جحافل التجار المسلمين، وكانوا في أغلبهم من أبناء اليمن وتحديداً من أبناء حضرموت، ولم يكن لديهم رشاشات ولا أحزمة ناسفة ولا سيارات مفخخة، ولو كانوا كهؤلاء الذين يدعون اليوم أنهم مجاهدون لتبرأ منهم الحجر والشجر فما بالنا بالبشر، ولكن لأنهم كانوا يحملون قلوباً رضية وأنفساً سوية، وأخلاقاً عالية فقد كان يستغفر لهم كل شيء حتى الحجر والشجر؛ لأنهم كانوا يُعلِّمون الناس الخير، فدخل الناس في دين الله أفواجاً. فأين هؤلاء الأدعياء من أولئك الأوفياء الذين خدموا دينهم ولم يضروا أمتهم، والله تعالى يقول (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) سورة التوبة.(6) ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) عن ابن عمرو، أخرجه البخاري. إن ديننا الحق الإسلام ليأمرنا بالإحسان للحيوان، فما بالنا بالإنسان وكفر الناس ليس سبباً يدعونا لقتلهم، والله تعالى يقول (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس"99" (فمن كفر فعليه كفره) فاطر"39" ولذا فإننا إن عجزنا عن هداية الناس إلى دين الله تعالى، فلا يجب علينا أن نجعل من ذلك العجز ذريعة للغدر بهم وترويعهم وقتلهم واستباحة دمائهم. ما تقييمكم للأوضاع الراهنة في اليمن ومناداة البعض بالعودة للانفصال وكذلك أحداث القتل التي تقع ويكون ضحيتها مواطنون أبرياء كحادثة مقتل ثلاثة مواطنين من أبناء مديرية القبيطة م/لحج والذي وقع في منطقة العسكرية حبيل جبر؟ - الأوضاع في اليمن سائرة نحو الإنحدار، وهي بحاجة إلى معالجات حكيمة، وليس كما يعتقد البعض والقول تمام يا فندم، الناس يعيشون في ضائقة، وهناك حقوق وأراضي يجب أن تعاد لأصحابها، وهناك خيرات يجب أن تسخر لمصلحة الجميع وليس لقلة متنفذة، ومع ذلك فإن مناداة البعض بالتشطير، فهذا مطلب غير قابل للتحقيق، والوحدة ستبقى شامخة ودائمة بعون الله تعالى؛ لأنها مطلب شرعي ومطلب وطني، وسيزول الفساد والمفسدين والظلمة والظالمين، فالوحدة هي الأصل، وشعبنا ظل متوحداً أغلب فترات التاريخ عدا الفترة الاستعمارية والحكم الشمولي، فمن يريد أن يعود إلى ذلك الوضع إنما هو عميل مأجور لقوى معادية للوحدة وسيذهب الله تعالى مكرهم ويوهن كيدهم لأن يد الله مع الجماعة، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله جل وعلا. وأما بالنسبة لجرائم قتل الأبرياء كما حصل في حبيل جبر، فهذا عار وشنار على مرتكبيها وهؤلاء القتلة ستطالهم حتماً يد العدالة، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، ونحن شعب مسلم دماؤنا وأعراضنا وأموالنا حرام على بعضنا وفيما بيننا، والله تعالى بشر من قتل مؤمناً بالطرد من رحمته وبالعذاب العظيم (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) النساء"93". ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام [لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم]عن ابن عمرو،أخرجه الترمذي. وهؤلاء القتلة الأذلاء لم يقفوا في وجه ظالمهم فينتزعوا منهم حقوقهم، وإن كان لهم حقوق لديهم، ولكن سلطوا جورهم وإجرامهم وفجورهم على أناس أبرياء لاحق لديهم ولا سلطان لهم عليهم. وبدورنا كمواطنين نتساءل لماذا لم يتم الوصول إلى القتلة حتى اليوم؟ وبالتالي إنزال القصاص العادل فيهم؟ الأخ الرئيس دعا إلى التصالح والتسامح والحوار لتجنيب الوطن والأجيال مآسي الفرقة والإنشقاق، فهل هناك من وجهة نظركم كرجل دين خطوات يجب أن تسبق تلك الدعوة؟ - النار إذا اندلعت لا تنطفئ بالكلمات أو الخطابات أو الدعوات فقط وإنما لابد من أن يصحب ذلك خطوات عملية، لطمأنة الناس وإعادة الحقوق لأصحابها ورفع المظالم، وإجتثاث الفساد والمفسدين، وبلادنا إن شاء الله تعالى بلاد الخيرات، ولكنها الآن لا توزع بالعدل والقسطاس، فهناك غالبية عظمى من الناس تشكو البطالة، الجوع، الفقر، وتزداد حالتهم سوءاً، وهناك قلة حاكمة متنفذة تزداد غنى حتى التخمة، هناك بلدان لديها ثروة واحدة ولكنها تكفيها لأنها في أيدي نزيهة، ونحن بلاد متعدد الثروات: الثروة السياحية، الثروة الزراعية، الثروة السمكية، الثروة المعدنية، الثروة البترولية، الثروة الغازية. وأقول للأخ الرئيس لقد تم في عهدكم إعادة تحقيق الوحدة المباركة والثبات عليها وهي بحاجة اليوم إلى إكمال وجهد أكبر فاكتب لنفسك تاريخاً تسر به. ما قولكم فيما طرحه حزب رابطة أبناء اليمن "رأي" من مبادرة تحويل اليمن إلى اتحاد فيدرالي كصورة من صور الوحدة؟ - تفاعل الأحداث في اليمن إن شاء الله تعالى لن يصل إلى ذلك الحد وأن نعود إلى البحث عن حلول كيف نتوحد، ونحن موحدين ولكن جرائم الوضع الفاسد هو مثل جرائم الحزب الإشتراكي، بحاجة إلى تصحيح يزيل ما علق في النفوس، الحل الأقرب إلى واقعنا هو حكم محلي كامل الصلاحية، والمبادرة الرابطية هدفها المصلحة العامة. كلمة أخيرة تحبون أن تختتموا بها هذا اللقاء؟ - أن نتمسك بوحدتنا؛ لأن فيها الخير كل الخير لنا، وأن نعمل على تغيير الأوضاع ولكن من دون أن نغرق في المزيد من المآسي والآلام، أو سفك الدماء؛ أو المطالبة بتحقيق المستحيلات والمعجزات في غمضة عين، ولا يجب أن يكون ثمن ما نحن فيه من أوضاع متردية العودة إلى الانفصال والتمزق والإقتتال، والبديل والذي يجب اعتماده أن نتساوى كمواطنين في الحقوق والواجبات، وتوزيع الثروات بالعدل، وأن يؤخذ على أيدي المفسدين، وبعد ذلك فنحن على يقين أنه إذا رفعت المظالم فإن الله تعالى سيهيئ لنا أسباب التلاقي والتآخي والنهوض.