في تصريح هام، وضع وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، الشعب اليمني أمام صورة شبه مكتملة، عن حالة الاقتصاد الوطني، بعد أكثر من عقد على انقلاب مليشيا الحوثي العنصرية الإرهابية على الدولة ومؤسساتها والإرادة الشعبية الحرة، كاشفاً عن أرقام صادمة لما تعرض له الاقتصاد جراء الممارسات الحوثية الممنهجة. وقال الإرياني في تصريح صحفي، نقلته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، الأربعاء، إن "مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني نهبت أكثر من 103 مليارات دولار من أموال الشعب اليمني وموارده منذ انقلابها على الدولة في سبتمبر 2014، وتحول قياداتها إلى (أثرياء حرب)، بينما يعيش ملايين اليمنيين في مناطق سيطرتها أوضاعا إنسانية كارثية"، موضحاً أن القيادات الحوثية راكمت ثروات هائلة من أموال النهب والفساد، واشترت بها القصور والفلل في العاصمة صنعاء ومحافظات (صعدة، عمران، وذمار)، وبنت أبراجاً وشركات وهمية، وضخت استثمارات في إيران ولبنان، في الوقت الذي تركت فيه ملايين المواطنين فريسة للجوع والفقر. وأشار الإرياني إلى أن قيادات المليشيا تحولت من "قطاع طرق" إلى متحكمين بكبريات القطاعات الاقتصادية في البلاد، حيث استحوذ زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي وأقاربه ومقربون منه أبرزهم محمد عبد السلام، على شركات النفط والغاز وقطاع الاتصالات، فيما أشرف محمد علي الحوثي على نهب ممتلكات المواطنين عبر ما يسمى "الحارس القضائي" وتحويلها لمشاريع خاصة، واستولى مهدي المشاط والمقربون منه على عقارات وأراضٍ في مناطق إستراتيجية في صنعاء، بينما حوّل أحمد حامد مكتب الرئاسة إلى إمبراطورية فساد تتحكم في العقود والمناقصات، لافتاً إلى أن المليشيا احتكرت تجارة النفط والغاز والاتصالات، وجرفت القطاع الخاص، ونهبت المساعدات الإنسانية، وفرضت الجبايات والإتاوات على جميع الأنشطة الاقتصادية، من كبار التجار وحتى الباعة المتجولين. وبيّن الوزير في الحكومة اليمنية، أن المليشيا الحوثية، رغم مواردها الضخمة، ترفض دفع رواتب موظفي الدولة في مناطق سيطرتها، والتي لا تتجاوز فاتورة تمويلها 25 مليار ريال شهرياً (50 مليون دولار)، أي ما يعادل 600 مليون دولار سنوياً، وهو ما يؤكد أن ما تقوم به المليشيا سياسة ممنهجة لإفقار اليمنيين وتجويعهم وإذلالهم، مؤكداً أن المليشيا لم تُنفق هذه المليارات خلال عشر سنوات على الرواتب أو الخدمات أو تحسين معيشة المواطنين، بل وجهتها لإنشاء استثمارات وشركات تجارية في مجالات النفط والعقارات والاستيراد والتصدير بهدف إحكام السيطرة على القطاع الخاص وإخضاعه، وإثراء قياداتها وتضخيم أرصدتهم في الداخل والخارج، إضافة إلى تقديم الدعم المالي لمليشيا حزب الله اللبناني وأذرع إيران في المنطقة.
عقد من الانتهاكات الجسيمة
وطوال سنوات مضت، تعمل مليشيا الحوثي على خنق الاقتصاد اليمني بكل وسيلة، ومقابل ذلك تذهب الإصلاحات الحكومية أدراج الرياح، نتيجة المجابهة الحوثية لمحاولات إنعاش الاقتصاد. وفي أول إجراء حوثي يعكس لصوصية وإجرام العصابة العنصرية المتمردة، بعد إسقاطها لعاصمة اليمنيين، في سبتمبر 2014، نهبت المليشيا الحوثية 5 مليارات دولار من احتياطي البنك المركزي، إلى جانب استيلائها على وديعة سعودية بقيمة ملياري دولار كانت مخصصة لدعم استقرار العملة، واقتحامها الخزينة العامة ونهب 400 مليار ريال يمني، كما استولت على أذون الخزانة والسندات الحكومية وفوائدها المقدرة بأكثر من خمسة تريليونات ريال، ما يعادل تسعة مليارات دولار، لتبدأ مسلسل نهب المال وتدمير الاقتصاد الوطني الذي لم يتوقف إلى اليوم. وطوال سنوات الانقلاب والحرب، واصلت مليشيا الحوثي الجرائم الاقتصادية، التي ترقى إلى مستوى النهب المنظم وجرائم الإثراء غير المشروع التي تستوجب المساءلة الدولية ومحاكمة كهنة المليشيا الإرهابية، أمام المحاكم الدولية المختصة، وتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية باعتبارهم يستخدمون الأموال المنهوبة في تمويل الإرهاب وإطالة أمد معاناة الشعب اليمني، وفق ما أكده الإرياني في تصريحات الشهر الماضي.
جرائم لا يمكن إحصاؤها
ويرى الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي، أنه من الصعوبة بمكان إحصاء ما مارسته مليشيا الحوثي منذ انقلابها، مبيناً أنه لا يمكن اختزاله في ممارسات فساد عادية، بل هو تدمير ممنهج للبنية الاقتصادية والمالية للدولة. ويشير الفودعي، في حديث ل"الصحوة نت"، إلى نهب مليشيا الحوثي إيرادات الدولة في مناطق سيطرتها، بما فيها الضرائب والجمارك وعوائد النفط والغاز، وتوجيهها للمجهود الحربي بدل الإنفاق العام. ويسرد الفودعي أبرز جرائم مليشيا الحوثي بحق الاقتصاد الوطني، وفسادها المدمر، وأهمها: الاستحواذ على القطاع المصرفي، ونهب الاحتياطي النقدي، وفرض سياسات نقدية معاكسة، بما في ذلك منع تداول الطبعة الحديثة من العملة الوطنية، لفرض حصار مالي على مناطق الشرعية وتعزيز الانقسام النقدي بين منطقتين، مناطق الشرعية ومناطق الحوثي، إضافة إلى طباعة نقد غير قانوني وما يرتبط به من مخاطر. ويشير إلى قيام مليشيا الحوثي بتفكيك النظام المصرفي، وإجبار البنوك على الامتناع عن نقل مقارها إلى عدن، وإجراءات باطشة لإخضاعها لإشراف مركزي حوثي، وفرض قيود تحويلات مصطنعة أحدثت انقسامًا نقديًا خطيرًا.
فساد حوثي ونهب للعام والخاص
وإلى جانب الفساد والنهب والتدمير المنظم للمؤسسات الاقتصادية الرسمية، يعرج الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي، إلى أن مليشيا الحوثي مارست السطو على أموال وأصول القطاع الخاص وفرض جبايات غير قانونية، وإعاقة حركة التجارة عبر قيود جمركية متعددة المراكز، إضافة إلى السطو على أموال خصومها السياسيين عبر حارسهم القضائي. وتطرق إلى كارثية قيام مليشيا الحوثي بتسييس مؤسسات الدولة الاقتصادية وتوظيفها في خدمة سلطة الأمر الواقع، بما أفقد الاقتصاد قدرته على العمل بمعايير السوق. وأكد الفودعي أن مليشيا الحوثي أدارت الاقتصاد بعقلية حرب تقوم على تغذية السوق السوداء بالمشتقات النفطية والعملة، وتدمير الثقة بالقطاع المصرفي الرسمي.
دور الحكومة والمجتمع الدولي
وعما يجب أن تقوم به السلطات الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية، أمام جرائم مليشيا الحوثي بحق الاقتصاد الوطني وتدميرها لأسسه ونهبها لموارد البلاد والفساد الذي تمارسه علانية، قال الفودعي إن الدور المطلوب من السلطات الشرعية هو استعادة السيطرة على الموارد السيادية وتوحيد السياسة النقدية، وإنشاء منظومة رقابة مالية صارمة، وفرض قنوات رسمية موحدة للإيرادات. وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية تفعيل أدوات الشفافية والمساءلة، وإطلاق إستراتيجية اقتصادية لإعادة الإعمار ووقف النزيف المالي، بالتوازي مع تحرك دبلوماسي لتجفيف مصادر تمويل الحوثيين داخليًا وخارجيًا. بينما دعا وزير الإعلام في الحكومة اليمنية، معمر الإرياني، في تصريحه الأخير، المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف حازم يتجاوز حدود الإدانة اللفظية، عبر تجفيف منابع تمويل المليشيا، وتجميد أرصدتها وأرصدة قياداتها في الخارج، وملاحقة شبكاتها المالية وشركاتها التجارية، وإحكام الرقابة على تدفق الأموال عبر المنظمات الأممية والدولية، بما يضمن حرمانها من أي موارد، وتوجيهها لتقديم دعم حقيقي لليمنيين وتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة.