هناك عوامل مساعدة وأخرى موضوعية لقيام الاتحاد الأوروبي وتطوره .. من هذه العوامل الموضوعية التهديد الخارجي المتمثل بالاتحاد السوفيتي سابقاً والذي رأت فيه دول أوروبا خصماً عنيداً ومهدداً لمصالحها سواء إن كان ذلك لجهة ترسانته العسكرية أو لجهة أيديولوجيته الماركسية المغلقة, ماشكل حافزاً لتكتل هذه الدول، والعامل الآخر يتمثل بشعور بعض دول أوروبا الصغيرة بتغول الدول الرئيسة فيها كألمانيا وفرنسا ولاسبيل إلى إبعاد خطر هذه الدول إلا بانضمامها إلى حلف قوي لتذوب مع ذلك طموحاتها الإمبراطورية وتستثمر قواها في بناء الاتحاد ومساعدة دوله الصغيرة, ما يسهم في تعظيم فرصها الاقتصادية والسياسية وهذا الإجراء الاستباقي يمثل درعاً ضد أي عدوان جديد تشنه دول المركز، خاصة وأن الذاكرة الأوروبية مازالت تحفظ جرائم هتلر ونابليون. ولما كانت دول أوروبا قد بلغت منزلة كبيرة في ترسيخ الدولة المدنية المستندة على المشاركة السياسية والمجذرة للحرية والعدالة فإنه لا مناص من تثمير فرصها في موازين القوى الفاعلة في الساحة الدولية وجعلها كتلة مؤثرة في صياغة القرار السياسي الدولي الذي احتكر لفترة من قبل قوتين عظميين. إضافة إلى ماسبق فإن التقارب في المستويات السياسية والاقتصادية والتعليمية وفي تشابه القوانين الحاكمة للإدارة يحتم تقاربًا في التوجهات وتفاهماً بين الزعامات لهذه البلدان التي أفرزها الشعب بإرادة حرة وشفافة. أما في الحالة العربية فإن التشابه في وجود عدو خارجي ضاغط كإيران له طموحات في المنطقة يدفع باتجاه التكتل الاستراتيجي لتغطية الانكشاف العسكري على الرغم من أن التفاوت في المستويات الاقتصادية والتعليمية يقف حائلاً أمام هكذا اتحاد. وبحكم تأرجح الحكم العربي بين الجمهوريات والملكيات فإن الخوف من عدوى الانتقال للحكم الديمقراطي النسبي في الجمهوريات يخلق حساسية سياسية ويبطئ عملية التحول نحو اتحاد عربي فاعل ووازن. وبعيداً عن منطق المقولات التقليدية المتعلقة بوحدة الجغرافيا والتاريخ فإن المصلحة السياسية تحتم سرعة التكامل العربي وهذا يتطلب تجاوز المصالح الضيقة والتفكير التكتيكي والحسابات الوقتية باتجاه النظر في الأفق البعيد واستشراف استحقاقات المرحلة القادمة التي لامكان فيها إلا للكيانات القوية، لاسيما وقد أضحى التداخل بين الدول وانعكاس أي أثر في دولة أو حدث في الإقليم كله حقيقة واقعية لا لبس فيها. وليس أدل على ذلك من المشاكل الناجمة عن الحروب وتدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة ومضاعفة أعبائها الاقتصادية والأمنية وليس الاضطرابات في ليبيا حالياً إلا تجسيداً لهذه الفكرة.