منذ أن بدأت الأزمة التي قادت إلى ما وصلت إليه البلاد والعباد اليوم من حالات ارتهان لهول وذهول تداعيات الواقع والتي بلورت صور الاحتقان المتراكمة وتجاذب مصالح البعض سواء من أحزاب أو قوى أو مجاميع أو أشخاص أو فئات.. وألقت بظلالها حتى على الاستقرار النفسي للفرد والأمن للمجتمع... فكانت بمثابة الفرصة السانحة لضعاف النفوس والانتهازيين وهواة البلطجة على امتداد ساحات الوطن.. وانتشرت عمليات السلب والنهب لبعض المرافق العامة والعقارات العامة والأرض العامة والخاصة, وانتشرت معها مظاهر الفوضى في قطع الطرقات والسطو والنهب والحرق لبعض المرافق والبناء العشوائي... وتعمقت في ظل هذه التصرفات اللامسئولة واللاوطنية معاني الحقد والكراهية.. فيما ظل كل وطني شريف يقارع ويواجه بما أمكن من حجج تلك الأصوات الممجوجة, والتي لم تستفد من مجريات الواقع ومن مؤشرات الأخطار المحدقة باقتصاد الوطن وبأمنه واستقراره وحتى في بنية السلم والأمن الاجتماعي... وولدت من كل ذلك حالات احتقان استوجبت عدم السكوت إزاء الواقع المرعب والمخيف الذي بلغ الذروة، فكانت المسيرة الملايينية التي شهدتها يوم أمس العاصمة صنعاء أشبه بانتفاضة إن لم تكن بثورة على الواقع وصحوة وطنية نستقرئ من خلالها ردعاً وزجراً ووقفاً لحالات الرعب المحتقنة في الواقع... إذ على مدار الأسبوع الذي أعقب جمعة سقوط عدد من الضحايا والشهداء في ساحة الاعتصام والتغيير أمام جامعة صنعاء تواصلت التصريحات والتهديدات والمواقف النارية التي دفعت البعض لتسمية “جمعة الأمس” بجمعة الزحف... ومن ثم جمعة الرحيل، وإذا المفاجأة الكبرى بتحولها إلى جمعة للتسامح والسلام. منذ بداية هذه الأزمة كنت كغيري ندعو الله سبحانه وتعالى لتجنيب الوطن شر الفتن, وأن يلهم حكماء الأمة من علماء وعقلاء الرشد والسداد لتحمل مسئولياتهم في تجنيب الوطن والأمة أخطار وويلات حطت رحالها في الواقع ولم أصل حتى اليوم إلى قناعة بأن الحكمة اليمانية صارت اليوم شعاراً يردد فقط.. لأن حكماء اليمن هبوا في ذلك الزحف الهادر على ساحة التحرير في قلب العاصمة صنعاء, ومن ثم إلى ساحة ميدان السبعين تقدموا بذلك الزحف والذي أسميه “بالنفرة” أزهى صور الحكمة اليمانية... إذ لا فرق بين ما ذهبوا إليه من شعار لتجسد صور المحبة والسلام والاحتكام لشرع الله, وإلى الحوار وتغليب مصلحة الأمة والوطن على ما عداها، أقول إن ما شاهدته بالأمس من حراك جماهيري وطني... انتصر لإرادة الأمة وطموحها الجامح في الخروج من حالات الذهول أو الواقع المر.. قد دفعني لكتابة هذه السطور والتي استبشرت من خلالها وأؤمن عبرها من أن الأمة بخير وأن شعبنا فعلاً صاحب قرار الحل والعقد.. ومسيرة الأمس رسالة يجب أن تبنى عليها حسابات المستقبل.. وإذا كنا نحترم اعتصام ساحات التغيير ومطالبها فإننا أيضاً نحترم مشروعية النظام الذي تأكد بانتخابات نيابية ورئاسية شفافة ونزيهة.. لذا فإنني أثمن وأرجو من كل وطني شريف أن ينتصر للوطن من خلال نهج طريق المحبة والسلام والوئام والاحتكام للدستور والقوانين والأنظمة وتفويت الفرصة على كل من يتربص أو يضمر العداء للوطن من حيث يدري ومن حيث لا يدري.. وهذا في اعتقادي ما يتمناه 90% من أبناء اليمن, لاسيما في الظروف الراهنة التي تستدعي من الجميع السمو فوق الجراحات وإدراك أن مصلحة الوطن والأمة في الخروج من الأزمة الحالية بأقل الخسائر لا في جانب الأرواح التي نتمنى أن لا نسمع عنها, ولكن الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وحتى النفسية.. والله من وراء القصد.. والهادي إلى سواء السبيل.