قبل شهرين أدخلت مدينة تعز إلى دوامة العنف، وهي المدينة المدنية الحالمة بالأمن والهدوء والاستقرار والنزوع إلى السلام والسلم ورفض العنف.. اقتحمت ساحتها (ساحة الحرية) في لحظة نزق أو مؤامرة دبرت بليل انساق معها الطرف الآخر دون وعي لعواقب الاقتحام وعدم إدراك ما يجري ليكتشف أن اقتحام الساحة كان فخاً هدف إلى نقل ساحة المعركة إلى تعز لتشتيت جهد النظام وإضعاف قوته وإعاقة مسار صوت العقل المتحيز كلياً للإنسان ورفض العنف المنبعث من الساحة. كانت القوى الانقلابية تتسابق لنقل معركتها إلى تعز ، رغم أنها تدرك أن تعز تأنف مثل هكذا أعمال وتؤمن أن الثورة السلمية وحدها من يحقق التغيير المنشود، إلا أنها أصرت على فعلها حتى يبدو المشهد اليمني كأنه صورة واحدة ولا توجد خصوصيات لأية منطقة. لم يتمكن التحالف القبلي الديني العسكري من الهيمنة على ساحة الحرية بتعز وظلت منصة الساحة بأيدي الشباب رغم كل محاولات السطو عليها والتي كانت تنتهي باشتباكات أريقت خلالها الدماء الزكية من أجل الميكرفون، كان آخرها اختطاف أول صوت صدح من على المنصة الفنان بدر الحاتمي وتم تعذيبه بوحشية قلّ أن تجد نظيراً لها وبعد أربعين يوماً تم رميه في برميل القمامة بسوق الصيد فاقداً الوعي وظهر جسده وكأنه تعرض للشوي. كان أبناء تعز يبحثون عن ثورة تغيير بلا ثأر أو انتقام أو تصفية حسابات، تغيير تطال كل رموز الفساد وأركانه وتقضي على مراكز القوى التي حالت دون أن تصل ثورتا سبتمبر وأكتوبر إلى أهدافهما وغايتهما المنشودة. وسط كل هذه الضبابية فإن شباب تعز قبل سياسييها يدركون أنه ليس بالضرورة أن يموت المناضل للوصول إلى هدفه، ويعرفون جيداً كيف يعبرون عن مواقفهم ويوصلون آراءهم إلى الطرف الآخر تحت كل الظروف، وكم هي المشاهد عديدة عندما كان الشباب الواعون يقفون أمام الحواجز الأمنية البشرية ويرددون هتافاتهم ويتحاورون مع الجنود ويسمعون أصواتهم من بأذنه صمم. إن معركة أبناء تعز اليوم أكبر من أية مرحلة؛ لأنهم يواجهون قوى أرادت سلخ هذه المدينة من طبيعتها وإلباسها لباساً لا تقبله، أرادوا أن يحولوها إلى مدينة عنف وأشباح ، وهي مدينة الحياة والأمل، مدينة المجد الإنساني وكرامته. إن معركة القوى الحداثية والمدنية المؤمنة بالحياة الحرة والكريمة والرافضة للعنف والقتل تحت أي شعار تزداد تعقيداً بسبب سياسة خلط الأوراق والتضليل الإعلامي المحترف الذي انتهجه التحالف القبلي العسكري الديني واستمراره في الكذب والخداع وتبرير الأخلاق الفاسدة من أجل الغايات التي حددها هو، ولم تحددها حركة الجماهير، وتحولت الجماهير إلى تابع لديكتاتورية يتحكم بها الشيخ القبلي والقائد العسكري والفتاوى الدينية، وبدلاً من أن تنتج الحركة الجماهيرية نظاماً جديداً أصبحت أسيرة الماضي وتعيد إنتاجه بنسخة أكثر بشاعة وظلامية. عندما تأسس اللقاء المشترك مطلع القرن الحالي ارتفعت أصواتنا مباركة وتوقعنا أن تكون عشر سنوات من الديمقراطية قد أحدثت اختراقاً للحواجز الخرسانية في عقول التيارات المتشددة وتحالفاتها القبلية، ولأن تعز فسيفساء السياسة والفكر والثقافة تحمل من التنوع والتناقض الفكري والسياسي مايجعلها ساحة لاختبار وقياس مدى نجاعة هذه الفكرة لتكشف ساحة الحرية حقيقة وطبيعة هذا التحالف الانتهازي الهش القائم على هيمنة وسيطرة طرف واحد وإقصائه الآخرين، بل إن أحزاباً تاريخية ومدنية تؤمن بالحرية والديمقراطية تحولت إلى تابع ملحق بالتحالف القبلي العسكري الديني. لن يتمكن هذا التحالف من إعادة تعز إلى حياة القرون الوسطى وحياة البداوة التي استباحت الدماء وامتهنت القتل لمجرد القتل وجعلته مثار فخر واعتزاز ، وعلى أبناء تعز اليوم أن يواصلوا نشر رسالتهم المدنية القائمة على الحب والسلام والرحمة والحوار والتآلف بين الناس. رسالة إلى السلطة المحلية بمحافظة تعز يوم السبت شاء الله أن يسقط نجل الأستاذ عبدالله أمير وكيل محافظة تعز ويصاب بكسر في العمود الفقري وقرر الأطباء ضرورة سفره إلى الخارج للعلاج على وجه السرعة ولم تتفاعل السلطة المحلية مع أحد أركانها في تعز، لولا تعاون مدير الأمن بتوفير البترول لسيارة الإسعاف التي قدمها مستشفى الثورة بتعز لنقل المصاب إلى صنعاء بدلاً من سفره إلى الخارج، فإذا كنتم تتفاعلون مع رفاقكم بهذه الصورة فكيف تتفاعلون مع قضايا الناس؟!.