حالة من الأسى والحزن الكبيرين صارت تخيم على واقعنا المعاش منذ بداية الأزمة وحتى اليوم...بل إن الشعور بمرارة ذلك الحزن وهذا الأسى أصبح يستوطن قلب كل مواطن يمني ذكراً وأنثى لدرجة صار فيه الخوف والقلق خبزنا اليومي أما الدمع الممزوج بالدماء فقد أصبح ماء حياتنا المتدهورة..أما لماذا؟وكيف حدث كل هذا؟ فإنه السؤال المليء بالوجع،،وبالخجل والانكسار..لأن اليمن وطنٌ أكبر من أن تنال منه عاديات الزمن فهو الأرض الطيبة المنبت والثمر.. ولأن شعبنا اليمني أكبر من أن تقهر إرادته أو تستقوي على قناعاته أفكار العبث الهباء...هكذا عرفناهما على مر العصور مرسومان على هامة تاريخ الأرض بنياناً عامراً بالقوة والإبداع اللذين خلدهما في ذاكرة البشرية كل فارس يمني يتمثل فيه سيف بن ذي يزن، وكل قصر مشيد وقلعة حصينة وإبداع هندسي عظيم يحكي عظمة سد مأرب العظيم..وهكذا عرفناها أيضاً (بلدة طيبة) وقلوب رقيقة الحس والضمير لينة الفكر والفؤاد جمعت بين العقل والعاطفة في واحدية أزلية لا تشبه سوى أزلية واحدية الحكمة اليمانية والإيمان اليمان..فما الذي حدث لهذا الوطن ولهذا الشعب حتى وصل بهما الحال إلى ما وصل إليه؟ الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن ما أصاب وطننا وحياة شعبنا من محنة خانقة هي بالدرجة الأولى ابتلاء من الله تعالى لنا يمحص به عباده الصابرين الصادقين المؤمنين به حق الإيمان..ومن هذا المنطلق فقد تأكد لنا من خلال معاناة شعبنا هذه مصداقية قوله تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}..فقد أثبتت فعاليات الأزمة الحالية أن المعادن الأصيلة وحدها منها تحتفظ بمقومات أصالتها ولا تفقدها مهما أحاطت بها النوائب..وليس الناس إلا معادن من الأصيل ومنها من لا أصالة له وسرعان ما تفضحه المواقف.. واليمن : وطننا الغالي الحبيب أرضاً وإنساناً ومكتسبات حياة أفرزت له هذه الأزمة الغث من السمين وتكشفت له خلالها الكثير من الوجوه القبيحة والأخرى الجميلة والطيبة وتبين له المفسد من المصلح كما اتضحت له الكثير من صدق الولاءات الوطنية في مجتمعه والكثير من الولاءات الضيقة التي لا تشغل مصلحة الوطن أي حيز لديه..وأعتقد أن تلك الإفرازات هي أهم محاسن الأزمة وخلال الأشهر الثمانية الماضية التي هي عمر الأزمة حتى اليوم أصبح واضحاً وجلياً للجميع حقيقة هذه المحنة أو بالأصح الفتنة القائمة في بلادنا وحقيقة ما ماهيتها بعيداً عن المسميات الظاهرة إعلامياً، فالذي أدركه الشعب اجمع سواءً من هم مع السلطة أو ضدها هو أن الشعب وحده من يدفع الثمن، وأن الوطن بكل ما يتميز به جغرافياً وحضارياً وتاريخياً وإبداعياً ودينياً وتراثياً وأخلاقياً و...و..الخ هو من يشارك الشعب في دفع كل فواتير الحماقات المرتكبة على ارض الواقع الأمر الذي عكس نفسه مأساوياً على النفوس والحقول والشوارع والمزارع والمصانع والمضاجع ودور العبادة والتعليم وأسواق مواد الغذاء وأسواق بيع السلاح لنخرج جميعاً من هذا الخليط وقد أصابتنا هذه الحالة النفسية والشعورية المفجعة لدرجة فقدنا فيها ابسط معاني الشعور بالسعادة ونحن نعيش على أرض اليمن السعيد فأي كارثة هذه التي حلت على بلادنا لتأكل الأخضر واليابس من أحلامنا وتحيلنا بشراً وأشجاراً وأزهاراً ومودة إلى حطب لجحيم يشتعل ملء يوميات حياتنا التي كادت تسرقناً كل مكارم أخلاقنا اليمانية المتجذرة فينا منذ الأزل وتصعد بنا سقوطاً في قاع هاوية سحيقة تقضي على كل شيء أخضر وعاطر وجميل وترسم بسوداوية بارودها المشتعل عناوين مستقبلنا المجهول والمرعب ..وهذا وللأسف الشديد ما تحكيه حالات القلق والخوف والذعر واللا استقرار المسيطرة على أبناء الوطن ..وإنه لحدث لو تعلمون عظيم ..أن نصل إلى مرحلة من التوحش والحقد حتى على أنفسنا وأطفالنا وتفاصيل حياتنا اليومية فلماذا وصلنا إلى هذه الدرجة من الغرور والذاتية الأنانية المفرطة لنجعل من وطننا ساحة للاقتتال فهل يوجد أعتى من شعور كارثي يتولد في قلوب أطفالنا وهم يرون انفسهم عاجزين عن ممارسة حقهم الشرعي في التعليم وفي تواصلهم مع مدارسهم وليس من قوي أمين يزيح عن طريقهم المجنزرات ويفتح لهم أبواب مدارسهم التي صارت مواقع شبه عسكرية وهل توجد مصيبة أدهى وأمر من أن يفقد المرء حياته لمجرد انه يذهب إلى دكانه ويعمل على إعالة أطفاله؟ أو أن يفقد المرء حياته أو تتخطفه قراصنة الشوارع الملتهبة والوطن هو للجميع. إن الثورات العظيمة لا تقوم إلا على أعمال أعظم منها هي أساسها وسر رسوخ بنيانها الخالد والمجيد لكن أن نهدم كل شيء لكي نصل إلى كل شيء فإنه انتحار لا محالة والله تعالى غيور على عباده وسكينتهم العامة وإن عمليات التغيير لا تسير إلى الأسوأ أو الوراء ولكنها إلى الأفضل وإلى الأمام فليس من التغيير الذي يخدم المصلحة العامة أن نهدم شارعاً مرصوفاً ومعبداً لنقيم على ثراه الدبابات والمظاهر المسلحة وليس من التغيير أن نحيل منشأة جامعية للتعليم إلى ثكنات عسكرية ليصبح هذا المنجز العظيم الحديث والمعاصر صورة مفزعة ولك عزيزي القارىء أن تتصور نفسية طلاب وطالبات الجامعة وهم يرون مبناهم الوديع والدافئ في صورته الجديدة والثورية إننا لسنا ضد طرف أو مع طرف آخر ولكننا مع الوطن ومع أنفسنا كشعب من حقنا أن نعيش فهل تجد صرختنا هذه من يجيب؟ وهل سوف يحتكم أطراف الأزمة إلى منطق العقل والدين والضمير والحق والخير والرشاد خروجاً بالوطن والمواطنين من أتون هذه الأزمة الخانقة؟ أم أنهم غلبت عليهم شقوتهم ولم يعد لمصلحة الوطن لديهم أي اعتبار؟ اللهم يارب المستضعفين ياقادر على كل شيء وياقاهر فوق عبادك انصر الحق وأهله واهزم الشر وأهله وجنّب وطننا وشعبنا الويلات فقد ضاقت بنا الأحوال و لا حول ولا قوة إلا بك أنت العزيز القدير وأنت على كل شيء قدير اللهم آمين.