تمر بلادنا هذه الأيام بأزمة خانقة تكاد تكون الأولى من نوعها على امتداد تاريخ اليمن الحديث ، ومصدر تفردها في طوق الخناق الذي ضربته هذه الأزمة على عنق بلادنا أنها ، أي هذه الأزمة ، جاءت في شكلها ومضمونها تجسد الفتنة بكل صورها القبيحة والتي أرادتها أجندة معادية – داخلية وخارجية - أن تكون جهنماً مشتعلة تأكل الأخضر واليابس في بلادنا فيتحقق بها الخراب والدمار والقتل والسلب والنهب والفوضى وهدم كل شيء على الأرض داخل وطننا الحبيب والدخول به إلى نفق مظلمٍ مجهول المصير وبالتالي يتحقق لأعداء الشعب والوطن وفق هذا المخطط التدميري، مآربهم المنشودة وأهمها سهولة الاستقواء على إرادتنا وفرض الإملاءات علينا بما يخدم مصالحهم الخاصة كأجندة خارجية هدفها امتهان الشعوب وممارسة كافة الأساليب لإذلالها ونهب ثرواتها والسطو على مقدراتها .. الخ هذا خارجياً أما داخلياً فإنها الفتنة التي يجندها أعداء الأمة في صورة جيش من بني جلدتنا فرادى وجماعات وتكتلات ومراكز قوى .. الخ تقفز فوق المألوف تناصب العداء لكل الثوابت .. تخرج عن الطابع العام السائد.. تتمرد على خصوصيات المجتمع الخ من الممارسات السلوكية الغريبة التي تخدش الفكر والمعتقد وحتى الأخلاقيات الطبيعية والمكتسبة والعواطف الخ ومن هذا الخليط الغريب العجيب تتشكل ملامح الفتنة في رحم الوطن إنساناً آخر نُفختْ فيه الروح الشريرة التي من أهم صفاتها أنها ترى الوطن صغيراً جداً ولا يتسع لسواها ، وترى المجتمع من حولها وكل أشياء البيئة الأخرى ذات العلاقة بالمواطنة ترى ذلك بعيون تقطر دماً من شدة سعير الفتنة المتوقد فيها حتى تبلغ ذروتها حرائق مشتعلة هنا وهناك تحرق كل حقول ماضينا الموروث الوارفة الفكر والإنتاج والحياة ، وتشوه صورة حاضرنا ورونق عطاءاته الزاهية ،وصولاً بنا إلى مستقبل مجهول الهوية والمصير تتقاذف إنسانه المهشم عاديات الأيام الخراب وهذا هو الغاية التي خطط لها ودعمها أعداء الأمة والوطن بمختلف أجندتها الخارجية ونفذتها الفتنة المحلية الروح والجسد ويجني حصاد مآسيها الوطن والمواطنون .. فالفتنة – إذن – ثورة على منطق العقل وحكمة المتعقل وحرب معلنة على كل النواميس المنظمة للحياة وعلى كل الدساتير والقوانين والعقود الاجتماعية التي ترتقي بآدميتنا إلى مصاف الإنسانية في اسمى معانيها النبيلة والمتحضرة وفي اسمى معاني تعايشها السلمي وبناء منظومته السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية و..و.. الخ على أساس من البناء والعطاء والإيثار والتنكر للذات وتغليب الصالح العام واحترام المواطنة وقناعاتها وحب الوطن وغرس فضائل الولاء له وصدق الانتماء إليه .. الخ تأتي – أي الفتنة – فتسيء إلى كل شيء وتجعل من أربابها قانون غاب متوحش يفرض سطوته على فطرة الله التي فطر الناس عليها في الحياة والحب والطموح والإبداع والعمل و..و.. الخ الأمر الذي يعلي من شأن الجهل أمام العلم، والجنون أمام العقل، والفرض أمام النظام، وسفك الدماء أمام الحياة، والتعصب أمام الاعتدال، والتعالي أمام المساواة والرذيلة أمام الفضيلة، والأقلية أمام الأغلبية وهذا المشهد الذي تنفطر له القلوب هو ما يسود معظم أقطارنا العربية اليوم وبلادنا منها على وجه الخصوص حيث اشتعلت الفتنة في أوساط مجتمعنا وشعبنا بعد أن حملتها الينا رياح التغيير القادمة من خارج الحدود فاشتعل بها ومعها كل مخزون الحقد والغل على بعضنا وانطفأت كل أضواء المحبة والإخاء والشراكة الأزلية في المواطنة والعيش الآمن المتطلع على تراب وطننا اليمني لتنتشر ملء ربوعنا وشوارعنا الأنفاق المظلمة وتحل علينا لعنة الفوضى الخلاقة التي ركبنا أمواجها السخيفة لنصنع من فوضاها المجنونة خارطة طريق لمستقبل أجيالنا المجهول المصير .. ونصبح بين ليلة وضحاها نشارك في هدم كل ما تشاركنا في بنائه سنين طويلة.. وليس أدل على هذا التأزم الذي خلقته فينا الفتنة : من واقع المعارضة السياسية في بلادنا _ اللقاء المشترك - الذي حكى لنا ولازال يحكي فصول مسرحياته الهزلية في علاقته بالسلطة من جهة وبالشعب والشباب منه على وجه الخصوص من جهة أخرى .. ولسنا هنا بصدد رصد تفاصيل المأساة التي يعيشها الفكر السياسي المعارض الذي أصبح ضحية فتنة الفوضى الخلاقة وأجندتها ووأسفاه على رصيد بعض أحزاب اللقاء الوطني الذي يتلاشى في زحمة مواقف هذه الأحزاب المتصلبة والمتمترسة في خنادق (اللاءات) لكل إشراقة نور تبدد أزمة الوطن . فهل من رجوع إلى جادة الصواب أيها المتباكون على الوطن بعيون تماسيح الفتنة وهل من صحوة ضمير لدى الجميع والجلوس على مائدة الحوار لحل المشكلة بعيداً عن الحسابات الضيقة ؟ أن الحوار هو وسيلة للوصول إلى غاياتنا الوطنية والشعبية مستقبلاً لكنه الآن هو غاية الشعب والوطن للوصول إلى إثبات مدى أصالة إيماننا اليماني وحكمتنا اليمانية فاجلسوا أيها الفرقاء حتى يلتئم جرح الوطن ودعوا الشعب يتنفس الصعداء من المعانات التي يدفع وحده ثمناً غالياً من حقوقه في العيش الكريم الآمن المستقر المبدع المنتج الطموح في ظل ما حققه هذا الشعب من منجزات عظيمة ابتداءً من لحظة انتصار الثورة وقيام النظام الجمهوري وصولاً إلى نهار الإنجاز الأعظم في تاريخينا المعاصر 22 مايو 1990م واعتماد النهج الديمقراطي خياراً لا رجعة عنه في حكم الشعب نفسه بنفسه فهل نهدم كل ما تحقق للوطن والشعب لإشباع مصالح ضيقة الأفق لا تحسب حساباً لمصلحة الشعب العليا والوطن؟ إننا على ثقة كبيرة بأن سحابات الفتنة سوف تنقشع وسوف تهدأ عاصفة ما يراد لليمن من خراب لأننا نحب هذا الوطن ونتحلى بوافر الحكمة اليمانية والإيمان اليماني الراسخ .. وعسى ان تكون ( الرياض) محطتنا الأخيرة لرأب الصدع في جسد وروح اليمن ..؟ وبالحوار الجاد والصادق والنقي.