على مسرح تلك السيناريوهات الهلامية الشكل، المتضاربة الاتجاهات المتجاهلة العواقب وهو الجحود برمته.. والتي أضفت إلى الزخم الثوري أبواقاً مبرمجة وقنوات بمشاهد مدبلجة.. لتوهج وتيرة الحمى الفوضوية، ولك أن تصفها بالحمى الشوكية التي تودي بصاحبها إلى مرحلة الهذيان وفي شتى المؤسسات الحكومية بسبب وبدون سبب، والتي تدير أسنتها أيادٍ شيطانية تتراشق بسهامها من خلف حقائبها الشبطاء. لتلك الأيادي الخفية بصمات ليلية تشرئب لها أعناق ذوي الأحزاب.. وتتفرعن أذيالها العقربية ما بين آونة وأخرى هنا وهناك، تسري روائح نتنها في كثير من المرافق والمؤسسات الحكومية التي لعب التفريخ الحزبي فيها دوراً هداماً، يُجذر العنصرية والمحسوبية والطائفية ونحوها من تلك الأوباء السياسية والاجتماعية، والتي اجتاحت القطاع الحكومي بشكل عام.. ولا أظن أنْ يكون القطاع الخاص في منأى عن ذلك وإنْ لم يشعر بها البعض بما تحمله من اكتساح للأنظمة والقوانين وتثبيت للمصالح الحزبية والمجاملة والمحسوبية ونحوها من تلك العاهات التي امتدت أطرافها مسافات، والتي لا أظنها ستنتهي في ظل الصراع القائم على قاعدة التطرف والولاء الحزبي الأرعن. وتلك الأيام نداولها بين الناس ما أشبه اليوم بالأمس، والغد سيكون أقرب، ودوام الحال من المحال وكما تدين تدان وفي ظلال تلك المشاهد التي تستوقفك بضعة من الزمن للتأمل بين زوايا أرقامها وهمسات حروفها.. كم نرثي لتلك العناصر الحزبية بؤسها حين تدير تلك المحافل الفوضوية بمعتقداتها الوهمية التي تتشدق بها على الآخرين في كل محافلها ولا تطبقها على ذاتها.. كم نرثي لها بكائياتها التماسيحية من وراء سطور مقروءة.. كم نرثي لها ثقل تلك الأقنعة التي ارتدتها وبصناعة غير وطنية.. كم نرثي لحالها وهي تبحلق بإحدى عينيها بين أرجاء المؤسسات الحكومية، طمعاً بتنصيب ذاتها وأتباعها لتلك المناصب التي يجتهدون في تفريغها من الفاسدين على حد زعمهم الذين سيرحلونهم، وإشغارها بذواتهم وأتباعهم فهم أهل الشرف والنزاهة وهم من يحترمون المبادئ الوطنية وهم من سيحققون العدالة الاجتماعية..؟! وبطرق مكشوفة لا يثنيها الضمير أو الحياء، وهي أيضاً تقدم ذويها للآخرين وقد جهزت لهم لوحة الشرف والبطولة مخطوطة بماء الذهب والفضة في النزاهة والولاء مذيلة بالإشادة والثناء الجميل الذي تعجز أن تسطر في حقهم الأقلام وأنّ هؤلاء هم المصطفون الأخيار وأنهم من ستقوم على سواعدهم النهضة العمرانية والمدنية والتقدم والازدهار. وفي العين الأخرى تحرض أولئك التائهين إلى الفوضى الخلاقة بأبسط الاحتجاجات والتي تناقض العقل والمنطق وتتجاوز الزمان والمكان وتركل بأقدامها كل القيم والمبادئ.. وإذا امتثلت أمامها سترسل اليك ابتسامة ثعلب من وراء الأسنان. من يحسن قراءة الواقع بما يحمله من مفارقات ومعطيات ومشاكسات سياسية واجتماعية واقتصادية سيستلهم الكثير من المؤشرات التي هو بحاجة لأن يفك شفراتها ويدرك أبعادها، كم من الشخصيات الحزبية التي سقطت أقنعتها وتكشّفت أستارها وعبّرت عن أطماعها دخولاً في مضمار سباق التقاسم لتركة الرجل المريض، لذاتها ولذويها وبصورة مكشوفة غير مكترثة لعيوبها أو مكانتها أو... وهذه من أجلّ الفوائد للمحن والرزايا التي تنزل بالأمة لتكشف وتبين لنا المنافقين وتسقط أقنعتهم المزيفة وتظهر حقائق ما كانت لتظهر في الأيام العادية حتى يتعرّوا أمامك بكامل صفاتهم القبيحة التي طالما تستّروا عليها بمعتقداتهم الوهمية وكلامهم المنمّق، وأمثال هؤلاء ستجدهم في مضمار المتحزبين وستجدهم أحرص الناس على الحزبية بشكل عام. وحتى يتأتى تطبيق وتفعيل دولة النظام والقانون فلابد أنْ يؤخذ في الاعتبار تنظيف وتطهير كافة المرافق الحكومية من فيروسات التفريخ الحزبي التي تزرع خلاياها في العديد من المنشآت الحكومية وغير الحكومية، وللأسف مع وجود هذا الداء الذي ترتب عليه الكثير من التجاوزات والمخالفات القانونية والأخلاقية ونحو ذلك، هذا إذا صدقت حكومة الوفاق في بناء دولة مدنية يسودها النظام والقانون، ولابد أنْ يكون مقابل ذلك تفعيل جانب السيادة المطلقة للمستقلين الذين يتقدم ولاؤهم لله ثم الوطن بعيداً عن المصالح والولاءات الحزبية والمجاملات القبلية التي أفقدتهم دينهم ودنياهم . الوطن أم الشباب..؟ وفي حين مضت الأحزاب بشياتهم السمينة بقي الشباب العزّل في مربع حقولهم الصغيرة وأفقهم الضبابي المحتوم، يتراهنون ويساومون ويتوعدّون ودون أدنى مؤشرات أو حتى وثائق ستضمن لهم ما يؤملون و يحلمون وسيظلون يحلمون ويحلمون.. لا يخفى على أحد منا الدور الذي لعبته وتلعبه الأحزاب السياسية حين أخذت الصدارة واستولت على المنصة الإعلامية وتقدمت باسم الشباب كوصية شرعية عليهم، بتلك العباءة الفضفاضة واستطاعت أن تلملم الشباب تحت سياج خيامها المقدسة في حين تكون الأحزاب قد حازت على نصيب الأسد من تلك التركة المتسابق إليها بلهفة، ونظل في تساؤل دائم عن نصيب الشباب كم سيكون حجمه وامتداده أمام الطوفان الحزبي الذي يرتكز بالأساس على الولاء المطلق للحزب ومصلحة الحزب فوق كل اعتبار، والذي يتجاوز في شريعته مصلحة الوطن ويتجاوز القيم والأعراف وقبل ذلك الدين إذا كانت الأحزاب تؤثر مصلحتها عن مصلحة الوطن فهل سيكون الشباب أهم من الوطن؟! لا أظن ذلك قط. الغارقون في أحلام اليقظة كم هم مساكين ولا ندري متى سيصحون أو أية نازلة سيستيقظون على دخانها - وما أشبه حالهم بأولئك الأصدقاء الثلاثة الذين ساهموا في شراء دجاجة، واتفقوا على أن يرتاحوا قليلاً وبعد أن يستيقظوا من نومهم تكون الدجاجة من نصيب من يحلم حلماً لا يصدق.. وناموا وعندما استيقظوا بدأوا في حكاية ما حلموا به.. قال الأول: حلمت أني أطير في الجو فوق السهول والوديان.. وقال الثاني: حلمت أني في سابع أرض ورأيت عالماً وأشياء لم يرها أحد من قبل.. فرد الثالث وقال: أما أنا فلم أحلم.. لأني لم أنم أصلاً.. كنت جائعاً فأكلت الدجاجة!! رد عليه الاثنان بعصبية وضيق: ولماذا لم تنادِ علينا لنأكل معك؟ قال: كيف يصلكم صوتي فأحدكم طائر في الجو والآخر في سابع الأرض. فاز ثالثهم لأنه لم ينتظر الأحلام وتعامل مع الحقائق رأي العين ووفّر على نفسه تضييع الوقت والمجهود.. وهكذا حال شبابنا اليوم بينما غيرهم قد وضعوا أقدامهم على موقع ملموس في حين تجد الشباب لا يزالون يتراهنون على الأحلام فمتى يستيقظ الشباب على واقعهم كما استيقظ ذلكما الاثنان على الدجاجة التي قد أكلها صاحبهما الثالث.