الانتخابات الرئاسية المبكرة التي سنكون على موعد معها اليوم الثلاثاء هي إضافة تراكمية جديدة للمشهد الديمقراطي في بلادنا، إضافة من شأنها أن تفضي إلى الولوج بالوطن مرحلة جديدة تحمل معها المزيد من الحراك السياسي الديمقراطي الذي تتعزز فيه روح المواطنة والديمقراطية والممارسة الحضارية في التعبير عن الرأي والرأي الآخر دون إقصاء أو تهميش، وتتكاتف فيها الجهود من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والمؤسسات والقانون، التي يُمكن من خلالها تحقيق أهداف المجتمع في العدل والحرية والسلام. هذه الانتخابات الرئاسية المبكرة يجب أن تكون أكثر من مجرد محطة انتخابية بحيث تكون علامة فارقة في حياتنا وقطيعة مع الأزمات المتلاحقة التي أرهقت كواهلنا، وتدشين مرحلة جديدة في الحياة السياسية اليمنية يجب أن يكون عنوانها الوفاق والتوافق والشراكة الفاعلة بين كل القوى الوطنية على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية، شراكة فاعلة هدفها الأساسي مصلحة الوطن وخير أبنائه، تعمل على إعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي وتحقيق آمال وتطلعات أبناء الشعب الذي عانى كثيراً - ولا يزال - من آثار وتبعات الأزمات المتعددة والمتشعبة التي طالت كل مناحي الحياة. إن أبناء الشعب على اختلاف فئاتهم الاجتماعية والعمرية وألوانهم السياسية ومشاربهم الفكرية مطالبون بالمشاركة الواسعة والفاعلة في العملية الانتخابية لصنع التغيير الذي ينشدونه والمستقبل الواعد من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، غير أن الأهم - من وجهة نظري - هو ما بعد هذه الانتخابات، حيث يأتي الحوار الوطني الشامل كأهم مكون من مكونات الفترة الانتقالية التي تمتد لسنتين، وهو مطلب ضروري وهام جداً تفرضه الأوضاع الراهنة من أجل تنقية الساحة السياسية من الخلافات والأجواء المشحونة التي طغت على المشهد السياسي خلال الفترة السابقة. الحوار كان ولا يزال الأسلوب الأمثل لحل الخلافات السياسية مهما كانت درجة حدتها، وبالتالي فإن الحوار الوطني المرتقب يعد فرصة مثالية أمام القوى السياسية في بلادنا يجب استغلالها جيداً لطرح كافة الخلافات على طاولة الحوار والبحث عن حلول ناجعة لها بعيداً عن الاشتراطات المسبقة ورفض التنازلات، مع ضرورة الابتعاد عن السلوكيات والممارسات الخاطئة وكل ما من شأنه إثارة الخلافات والصراعات التي نحن في غنى عنها، ويكفي ما ضاع من فرص سابقة لم تذهب هباءً فقط بل إن تفويتها أعطى صُناع الأزمات فرصاً لشحن الأجواء وتسميمها وخلق المزيد من الأزمات، وبالتالي يجب على جميع القوى السياسية استشعار المسئولية والدخول في حوار جدي وحقيقي، وليس عيباً أن تتنازل طالما كان ذلك في مصلحة البلاد والعباد، لكن العيب أن تظل على عنادها ومكابرتها وتصر بالاستمرار في السير على الطريق الخاطئ الذي لا يخدم سوى المتربصين باليمن سوءاً. نتمنى من كافة القوى السياسية التعاطي مع الحوار الوطني المرتقب بعقلية منفتحة وبدرجة عالية من المسئولية الوطنية، وأن تبدي حسن نيتها وجديتها في العمل مع أجل الوطن، بعيداً عن أساليب المزايدات والمكايدات السياسية التي أغرقت البلاد في أزمات متلاحقة أضرت كثيراً بالعملية التنموية وشوهت الحياة السياسية، لأن جدية المتحاورين وسعيهم الصادق نحو إجراء حوار وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى تعتبر المحك الرئيس والضامن الوحيد لإنجاح الحوار والوصول بالوطن إلى بر الأمان، لذا فإن على كافة القوى السياسية أن تؤمن بأن الحوار يجب أن يفضي إلى نتيجة وحيدة وهي التوصل إلى حلول لكافة الخلافات والتباينات وليس مجرد حوار شكلي وإسقاط واجب، أو تعمل على إفشاله لإيجاد ذريعة تتهرب بها من مسئولياتها الوطنية. [email protected]