أعتقد جازماً أن إجراء أية دراسة مقارنة تتوخى معرفة أكثر المؤسسات والمصالح الحكومية تعرضاً للفساد المالي والإداري في آن ستكشف لنا لا محالة أن قصب السبق في هذا المجال سيكون من نصيب وزارة الكهرباء والطاقة التي تتربع على بحيرة ضخمة من الفساد المتلاطم التي أعيت أمواجها العاتية كل من حاول احتواءها وسبر أغوارها وأغرقت في مقرها الموحل الإدارات المتعاقبة على مفاصلها الحيوية دون استثناء. وبالرغم من تحول هذا القطاع الحكومي الهام إلى أداة طيّعة في يد الإطفاء الدائم إلا أننا لم نرَ أية معالجات حقيقية تعمل على مواجهة ومحاصرة هذا العبث المتفاقم الذي أنهك جسد هذا المرفق واستنزف طاقاته وأوصله إلى هذه الحالة المرعبة من الانهيار الذي توشك معه المؤسسة أن تعلن إفلاسها وإحالتها إلى التقاعد القسري وبدون معاش. والخوف كل الخوف ومع تدشين الشعب اليمني عهداً سياسياً جديداً أن تظل الوزارة أسيرة مشاريع الحلول المؤقتة وغير المدروسة التي تآكلت معها البنية الأساسية للخدمة أكثر من أي شيء آخر، ويبدو أن هذه الخشبة يمكن أن تتمدد ولا تبالي إذا صحّ ما يتداوله العارفون ببواطن الأمور من تبني الوزير «سميع» مشروعاً طازجاً مكوناً من ثلاث محطات موزعة على رأس كثيب والمخا وعدن بقوة إنتاجية (450) ميجاوات وبكلفة إجمالية 650 مليون دولار. لكن المعلومة التي تدعو إلى القلق فعلاً أن هذه المحطات سوف تعمل بالفحم الحجري.. نعم بالفحم الحجري الذي عفا عليه الزمن واستغنت عن خدماته التقليدية المضرة بالبيئة كافة دول العالم نتيجة لتطور العلم واكتشاف المشتقات النفطية، بينما كهرباء اليمن أزال الله ظلامها كسرت هذه القاعدة في القرن الواحد والعشرين وأعادت الترويج لهذه البضاعة الكاسدة التي قد لا تعرف عنها الأجيال الجديدة شيئاً، وتزداد المشكلة استفحالاً إذا عرفنا أن هذا الوقود العفن سيتم استيراده بصورة منتظمة وبالعملة الصعبة من إحدى الدول الأفريقية.. ولا أدري ماهي المميزات التي دفعت الحكومة إلى تبني مثل هذا المشروع الذي يعمل بالوقود النووي عفواً الحجري هل لمقومات طاقته المستدامة أم لتأثيره الإيجابي على البيئة أم لانخفاض كلفته الإنتاجية. إن الفحم الحجري يتناقص كلياً مع الامتيازات سالفة الذكر، فلا عوامل استدامة وأضراره على البيئة لا تخفى على أحد، كما أنه بعيد تماماً عن مسألة انخفاض التكلفة الإنتاجية وبحسب المعلومات العلمية المتعارف عليها عالمياً يمكن لمليون دولار إنتاج (1) ميجاوات من الطاقة الكهربائية، أي أن (650) مليون دولار من شأنها توليد (650) ميجاوات، الأمر الذي يوضح لنا أن قيمة مشروع الفحم الحجري عالية، إذ إن (650) مليون دولار لن تكون مخصصة إلا لإنتاج (450) ميجا وبزيادة فعلية عن الكلفة الأساسية تجاوزت ال(200) مليون دولار. إن البداية المشئومة لهذه المحطات تنبئ أن المشروع القائم لتغطية جزء من العجز في الطاقة سينضم عما قريب إلى قافلة المشاريع الإسعافية الفاشلة التي كانت نتائجها صادمة وحملت في جوهرها عيوباً كثيرة أفصحت عن نفسها حتى قبل أن تدخل الخدمة مثل محطة مأرب الغازية وعدم تطابق مواصفاتها الفنية مع نوعية الغاز المنتج محلياً أو مشروع الطاقة المشتراة الذي انطوت عقوده على بنود مجحفة أرهقت الخزينة العامة للدولة دون جدوى، فالمشروع عبارة عن مولدات قديمة الطراز تعمل بالديزل ولها مداخن طويلة ينبعث منها العادم بكثرة.. وفوق كل ذلك لا تتحمل التشغيل أكثر من (12) ساعة فقط في اليوم الواحد على سميع ألا يعميها من حيث أراد تكحيلها..!!