(1) القاعدة تقوم بعملية انتحارية على القصر الجمهوري بحضرموت وتقتل أكثر من ثلاثين جندياً وتجرح العشرات من قوات الحرس الجمهوري.. فيخرج علينا فارس السقاف وعلي الزكري وعلي الجرادي وعدد من الصحافيين والمحللين السياسيين ليقنعونا أن علي عبدالله صالح هو من خطط ونفذ واستفاد من قتل جنود ابنه كما كنا نقول عليهم الحرس الجمهوري حرس “أحمد علي ووالده” وليس جنود هذا الوطن.. فقط تابعوا معي. القاعدة تهاجم الحرس الجمهوري والأمن المركزي في البيضاء وتقتل عدداً من الجنود.. فيظهر علينا نفس الصحافيين والكتّاب والمحللين.. علي عبدالله صالح يريد خلط الأوراق بهدف إفشال الرئيس الجديد وحكومة الوفاق.. انتبهوا لم أنتهِ بعد. الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي يصدر قراراً بتعيين قائد للمنطقة الجنوبية «عدنلحجأبين»، وفي اليوم التالي يقوم تنظيم القاعدة في أبين بعملية كبيرة يقتل فيها مائة وثمانين جندياً ويأسر أكثر من سبعين.. وبدلاً من تحميل وزارة الدفاع والداخلية وأجهزة الاستخبارات والقادة الميدانيين المسئولية القانونية يخرج علينا صنّاع الوهم ليحمّلوا مهدي مقولة وعلي عبدالله صالح السبب. هذه عناوين تعالوا نسأل ونحاول قراءة ما يحدث.. هل فعلاً القاعدة مجرد أوراق بيد الرئيس السابق يلعب بها متى شاء. (2) لا أدعي لنفسي أنني من المتابعين والمهتمين بل والدارسين والباحثين بشئون الإرهاب والقاعدة والحركات الإسلامية والجهادية ولدي العديد من المقالات والبحوث لست في طور الحديث عنها هنا ذلك يعني أنني سأحاول تقديم قراءة عابرة كوجهة نظر أكثر منها بحثاً. لا يستطيع أحد أن ينكر أن الرئيس السابق أجاد وأتقن بذكاء ودهاء ومكر التعامل مع ملف القاعدة والإرهاب في اليمن بطريقة حيرت أعداءه وأصدقاءه في الداخل والخارج، إذ استطاع ولفترات طويلة حصر ملف القاعدة بكل تشعباته الفكرية والمادية والأمنية بيده وبأيدي ثلة قليلة من المقربين منه، ولعل قيادات كبيرة وحزب الإصلاح كانت على اطلاع بل وعلم مسبق بأوراق القاعدة الذي ظل الرئيس يتلاعب بها، بل كانوا يؤيدونه ويشيدون بهذا التعامل حتى بدأت بوادر الخصومة السياسية بين الرئيس وحزب الإصلاح واشتدت ضراوتها في انتخابات 2006م. مع الأسف الشديد فإن الرئيس السابق ظل يتعامل مع ملف القاعدة وفقاً لرؤى وتصورات تكتيكية آنية ربما تكون نجحت إلى حد ما في فترات معينة لظروف ساعدت على ذلك، لكن غياب الاستراتيجية الوطنية في مواجهة التنظيم الإرهابي الذي بدأ يتسع ويكبر بفعل عوامل محلية كضعف الدولة وعدم المشاركة الوطنية في صناعة القرار وحصر ملف الإرهاب في يد “العائلة”، بالإضافة إلى فرار العديد من أفراد التنظيم من السعودية التي شددت الخناق عليهم ومساعدة البيئة الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية في اليمن على تواجدهم. أضف إلى ذلك ضآلة ومحدودية الأهداف التي بقيت محصورة في استخدام ورقة القاعدة في مواجهة الخصوم السياسيين داخلياً، “وابتزاز” الخارج الذي عرف اللعبة وتعامل معها وبها طالما وهي تخدم أجنداته وأهدافه الاستراتيجية. (3) باعتراف وإقرار الرئيس السابق في مقابلات تلفزيونية وأحاديثه مع بعض مستشاريه ومنهم القاضي حمود الهتار الذي قال إن علي عبدالله صالح فقد أوراقه تجاه التعامل مع تنظيم القاعدة وبالذات في المحافظات الجنوبية منذ عام 2007م بعد زيادة السخط الشعبي لتردي الأوضاع الاقتصادية.. قد يقول قائل إن الرئيس السابق استطاع ضبط حركة وإيقاع القاعدة خلال خليجي عشرين فلم تقم القاعدة بأي عمل يذكر في تلك الفترة.. إلا أن التنظيم هو الذي قرر “تكتيكياً” البقاء في الظل حتى لا يخسر الجماهير التي كانت حينها متفاعلة مع الحدث وكذلك لبناء قدراته العسكرية والبشرية، بالإضافة إلى الخطة الأمنية الكبيرة التي طبّقت بصرامة وبدقة متناهية حينها. وباعتراف الأمريكيين الذين يتابعون الأوضاع في اليمن فإن الرئيس السابق فقد القدرة في السيطرة على تنظيم القاعدة ولم يعد يستطع التلاعب بأوراقها، وإن الأمريكيين سيقومون مع الحكومة اليمنية أو بدونها بضرب أوكار القاعدة في أي وقت ومتى شاءوا. (4) الخلاصة.. إنه لمن العيب أن تظل النخب الثقافية والإعلامية وحتى السياسية تغني على الأطلال التي اندثرت وتظل تبرر للإرهابيين أفعالهم الدنيئة بوهم الأوراق التي كانت بيد الرئيس السابق واحترقت.. إن تحميل الرئيس الجديد وحكومة الوفاق المسئولية الأخلاقية والقانونية في ضبط الأمن وسيطرة الدولة وبسط هيبتها وتقديم المقصرين في الاستخبارات والقادة العسكريين والأمنيين فيما حدث بأبين. وما سيحدث في قادم الأيام هو أهم ما يجب أن نقوم به حتى لا نجد اليمن بيد الإرهابيين.