تفتقر المحافظات اليمنية بمختلف مديرياتها وقراها إلى عمل الدراسات والأبحاث التي توفر المعلومات والبيانات العلمية الصحيحة عن الفقراء وأحوالهم المعيشية، وخصوصاً أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر لأقل من دولار واحد في اليوم، وإلى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تميزهم عن غيرهم، وقد أثبتت العديد من الدراسات والتقارير ولأكثر من بلد في العالم أن هناك علاقه قوية بين الفقراء وبين تدني مستوى الأجور للأفرد، حيث إن ما نسبته 60 % من دخل الفقر يأتي عن طريق الأجور. ذلك يؤكد أن هناك علاقة طردية تبين الفقر ومعدلات الإنجاب، كما أن هناك علاقة مستوى الفقر مع العمل في القطاع الخاص، اليمن أكبر منها في القطاع العام، إذ إن ما نسبته 23 % من الفقراء يعملون في القطاع الخاص مقابل أكثر من 65 % تقريباً منها يعملون في القطاع العام، غير أن هناك عدداً كبيراً من اليمنيين ينفقون ما نسبته 80 % تقريباً من دخولهم على ألمأكل والمشرب يستأثر عشب القات الذي يتناوله غالبية اليمنيين على النصيب الأوفر من هذا الدخل، الأمر الذي تسبب معه المزيد والمزيد من معاناة اليمنيين من الفقر والمرض والحرمان والوهن. من خلال تقصيّ واطلاعي بحكم انتمائي لأحد تلك الأرياف وجدت أن أحوال تلك الأسر ألمعدمة خصوصاً منها النساء الريفيات بسبب بطالة رب الأسرة أو وفاته أو بسبب الطلاق أو أية أسباب أخرى فتكون هذه الأسر هي الأشد فقراً من الأسر التي يعيلها الرجل، ذلك يعني أنه كلما كانت الأسرة أكثر فقراً كان عدد ساعات عمل المرأة أكثر، فكلما زاد إنتاجهن ارتفع معه الرفاه الأسري. يضاف إلى ذلك أن غالبية أرباب الأسر هم من صغار السن، ونسبة هؤلاء مرتفعة جداً بين تعداد الفقراء. وتسهم قضية الزواج المبكر بدور سلبي في كثير من الجوانب وخصوصاً منها في مستوى انتشار الفقر، ففي اعتقادي أن أية إجراءات يكون من شأنها تأخير سن الزواج إلى سن معينة. مثلاً سوف يساعد اليمن حتماً بالبقاء خارج دائرة الفقر، كما أن تحسين وتطوير النظام التعليمي والصحي اليمني في المستقبل القريب سوف يسهم هو الآخر في التقليل من الفقر والعوز، ومنه أيضاً إلى زيادة وتيرة الإنتاج في المجتمع. وهناك دراسات كثيرة أجريت في أكثر من دولة في العالم كان من أهم نتائجها أن المرأة ذات الدخل الجيد تنجب أطفالاً أكبر حجماً، فالدخل هنا أيضاً مرتبط بالوزن عند الولادة باعتباره مؤشراً مهماً ضمن العوامل الأخرى التي لها علاقة بالوزن كالتغذية الجيدة ومستوى الرعاية الصحية قبل الولادة. وقد أثبتت دراسات أخرى أن غالبية الوفيات عند الأفراد وخصوصاً الأطفال ترتفع مع الدخول المنخفضة، ولربما يموت الكثير منهم بسبب نقص الغذاء وضعف الرعاية الصحية وغياب المياه النقية. وصحيح أن كثيراً من هؤلاء الناس تكتب لهم الحياة والعمر الطويل، لكنهم يتصفون بالقزمية والتخلف العقلي وصعوبة التعلم بسبب الجوع المزمن والوهن أثناء فترة الطفولة.