لقد عانت تعز مآسي كثيرة صنعناها بأيدينا إما بالفعل وإما بالترك، ومن مآسي الترك “بفتح التاء” هذه الأكداس من القمائم التي تملأ شوارعنا ليس وحدهم عمال النظافة مسئولين عن هذه المأساة، فإضرابهم حق مشروع والكرة في ملعب المجلس المحلي للمدينة في الاستجابة لمطالبهم العادلة. لقد دأب الكثير على اعتبار “المهمشين” أرقاء ومن هذا الكثير من الحكومات السابقة، فحتى اليوم وبعد 49 سنة من قيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة لم تتمكن أي من الحكومات السابقة من دمجهم في المجتمع، فلا اهتمام بالتعليم لأبنائهم ولا اهتمام بتوفير السكن اللائق لهم، بل إن البعض منهم لا يعرف أبجديات الدين فلا صلاة ولا صيام ولا شيء اللهم إلا التوحيد، لأن دعاتنا الذين ينطلقون إلى بلاد الهند والسند وكل أنحاء العالم لم يكلفوا أنفسهم الالتفات إلى هذه الشريحة مع أن أجر تعليمهم الإسلام هو نفس الأجر لتعليم الأعاجم. الآن وبعد تكديس القمائم عرفنا أهميتهم وأن لهم حقوقاً لابد أن يحصلوا عليها.. الواجب على الجميع العمل على رفع مستواهم وإشعارهم بأنهم بشر مثل غيرهم، أما النظافة فيجب أن تتحول إلى ثقافة في كل بيت وحارة وحي، ويجب أن يربى عليها الكبار قبل الصغار، لا أن تظل واجباً على المهمشين وحدهم ونافلة على الباقين. نحن نعلم أن التمايز الطبقي لا يمكن القضاء عليه نهائياً فلا تعاليم مزدك ولا ماركس استطاعت أن تقضي على هذا التمايز، ولكن يمكن أن يحول هذا التمايز إلى ميزة خاصة في الوقت الحاضر الذي دخلت فيه التكنولوجيا إلى كل الوظائف، ففي الدول المتقدمة يحصل “الزبال” على أجر خريج الجامعة سواء بسواء، ولم تعد القمامة شيئاً مقززاً ومنفراً بعد أن قامت صناعات كبرى تعتمد عليها، ففي البرازيل مثلاً تغطي حاجة عاصمتها “ريو دي جانيرو” من الكهرباء من القمامة وكثير من مصانع البلاستيك تعتمد أيضاً على القمامة عن طريق إعادة الصناعة للمواد البلاستيكية، وحتى الورق التالف يعاد تصنيعه والاستفادة منه، ولكي نستفيد نحن أيضاً لابد من حملة توعية عبر كل وسائل الإعلام وفي المساجد والجوامع والجامعات والمدارس، بل لابد من أن تصبح نظافة البيئة مقرراً دراسياً في كل المراحل الدراسية لتصبح مدننا نظيفة. وفي الجانب العملي لابد من مراقبة الصناعات الكيماوية وكيفية تصريف مخلفاتها، وكذا ورش تغيير زيت السيارات، والتوعية بمخاطر هذه المخلفات على الصحة العامة. إن ديننا الحنيف يحث على النظافة ولا تُقبل صلاة بدون تطهر، بل جعل “الطهور شطر الإيمان” و”النظافة من الإيمان”. كل ذلك يجعل من النظافة أولوية تسبق كل الأولويات.