منذ أسبوع فقط كانت بعض عناوين الاخبار تقول إن انصار الشريعة باتوا يسيطرون على معظم مساحة الجمهورية من واقع امتدادهم من الجوف الى مأرب والى البيضاءفأبين وشبوة وبعض حضرموت، فاذا بهم اليوم يوشكون ان تضيق بهم الارض بما رحبت. وقد انطلقت فتاوى السلفيين، الذين كانوا لايخفون تعاطفهم معهم بالأمس ويطالبون بالحوار معهم، انطلقت فتاواهم من كل حدب وصوب لتجيز قتالهم، بعد أن الزمتهم بذلك الاوامر السعودية المشددة. وذلك بعد ان كانت السعودية ترى في انصار الشريعة بعض عدتها لقتال الحوثيين حتى اختطفوا نائب قنصلها في عدن. ولم تكن اصابع السعودية بعيدة عن قيام انصار صالح في المنطقة العسكرية الجنوبية بتسهيل امور انصار الشريعة وتزويدها بالسلاح والعتاد في معارك هزلية يذهب ضحيتها جنود لم يتزود اي منهم بأكثر من ثلاثين طلقة. فكما اطلق مفتي السعودية فتوى طنانة حنانة ضدهم جاءت اول الفتاوى والاخبار اليمنية من لدن حجوري دماج، من أن عدداً من أبناء لودر بمحافظة أبين سألوا الشيخ الحجوري عن الحكم الشرعي في مشاركتهم في القتال ضد القاعدة في أبين، فأفتاهم الحجوري بأنه إذا تم الاعتداء عليهم من قبل مسلحي القاعدة فإنه يجوز لهم أن يردوا عليهم، مشددا على أنه لا يجوز لأي شخص أن يرفع السلاح على الجنود, على الجيش الذي يقاتل ضد القاعدة في أبين. اما الاخبار فقالت انه إرسل 150 مقاتلاً من أتباعه في دماج، و150 آخرين من جبهة كتاف، للمشاركة في القتال ضد القاعدة في أبين. ولم يلبث أن نطق الزنداني بعد ان صمت دهراً ليفتي فتوى مشابهة، ثم ما لبثت السبحة أن كرت. وفتوى الزنداني مهمة بصورة خاصة لأنه متهم بالضلوع في إمداد انصار الشريعة بالرجال والعتاد وإدارة معسكر تدريبي لحسابهم في أرحب. وكان حزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن، قد اتهم الثلاثاء، الماضي رجل الدين عبد المجيد الزنداني واللواء المنشق عن الجيش على محسن الأحمر ورجل الأعمال حميد الأحمر، بتمويل تنظيم القاعدة، نافياً أن يكون هناك أي صلة للرئيس السابق علي عبد الله صالح بالقاعدة. وقال الحزب في بيان عبر موقعه الإلكتروني، رداً على اتهامات للرئيس السابق بمساندته للقاعدة، إن “الإنسان اليمني الذي يعرف جيداً أن حميد الأحمر وعلى محسن الأحمر المتمرد، وعبد المجيد االزنداني الإرهابي، هم من يمول ويدعم ويصنع جنود القاعدة، وهم من اخترع جامعة الإيمان كمخزن بشري للقاعدة في قلب عاصمة اليمن”. وأضاف البيان أن “علي عبد الله صالح شريك فاعل ومهم في مكافحة الإرهاب، هذا ماقاله الرئيس الأميركي باراك أوباما وكل أركان المنظومة المعنية بمكافحة الإرهاب والسياسة الأميركية الخارجية، ابتداءً من (وزيرة الخارجية هيلاري) كلينتون وانتهاءً بأصغر موظف في خارجية الولاياتالمتحدة الأميركية وكذلك المخابرات الأميركية، ومن قبل ذلك الرئيس بوش وكل معاونيه”. وتابع قائلاً: أن “الشيء الأهم من هذا كله هو أن واشنطن شريك في مكافحة الإرهاب، وهناك أجهزة مخابرات عديدة تعمل في اليمن لمواجهة الإرهاب.. هذا معروف للجميع”. وفي تقرير حقوقي وإعلامي صادر عن فريق ميداني محلي ضم شخصيات إعلامية وأدبية وحقوقية من أبناء محافظة حجة ورد فيه: انه واضح أن السلفيين يعتبرون طرفا أساسيا ومتحالفاً مع الإصلاحيين في حروبهم، الا انه جاء في التقرير الذي أعده أحد اعضاء الفريق وهو الشاعر والكاتب المعروف عبدالرحمن مراد قوله: “ثمة وثائق أطلعنا على مضامينها وامتنع الجانب الحوثي من إعطائنا صوراً منها وهي دالة على الترابط العضوي بين الإخوان المسلمين، وبين السلفية، والقاعدة، تشعر وأنت تقرؤها أن القاعدة والسلفية أدوات يتحرك الفعل السياسي للإصلاح من خلالها, كلما ضاق به الأفق الذي يتحرك في إطاره لجأ إليها. (انظر فارس العليي صحيفة الديمقراطي ( 30 مارس 2012 العدد37). أولاً: الجزء المتعلق بشن الإصلاح وسلفيين هجمات في كل من حجةوالجوف وكتاف معلومات متداولة لاينكرها إعلام الاصلاح الذي ينفخ في تلك الهجمات ويواكبها بشن حملات تكفيرية وتخوينية على الحوثيين. ثانيا: المسألة المتعلقة بالقاعدة، وكونها في جزئها الاكبر، ان لم تكن كلها، أداة اصلاحية، فإن القرائن المتعددة تسندها الى حد كبير. فشقيق قائد عمليات الاصلاح في ارحب النائب منصور الحنق او قريبه حسب روايته هو، قتل في ابين مقاتلاً في صفوف القاعدة طبقاً لتقارير صحفية متواترة وكثيرة، لايمكن ان ينفيها ادعاء النائب انه مات هناك ولم يقتل. إن تضخم عدد القاعدة السريع في الجنوب ومحافظات شمالية اخرى يؤكد ان معيناً كبيراً من السلفيين وطلبة جامعة الايمان واصلاحيين يرفدها، وأنهم يشكلون قوام من يسمون انفسهم انصار الشريعة. ثالثا: يتهم الاصلاح واللقاء المشترك الرئيس السابق صالح وأجهزته بصناعة القاعدة في اليمن، ولكن ذلك الاتهام ليس إلا جزءًا ضئيلا من الحقيقة المعروفة وهي: ان الجنرال علي محسن الاحمر وجهاز الامن السياسي الموالي له كانا الممسكين بملف الجهاديين بما فيهم القاعدة طوال فترة حكم صالح، ولعل ذلك يفسر استهداف القاعده لضباط الامن السياسي الذين هم بالتأكيد مصادر خطيرة للمعلومات عن كامل الملف. وإن الحرس الخاص، والحرس الجمهوري، وقوات مكافحة الارهاب، والامن القومي، لم يكن بوسعها التعامل مع ملف كهذا، بتلك الطريقة، طريقة الرعاية والحماية، في ظل التدريب والاشراف الاميركيين، الهادفين الى تأهيلها كقوى مقاتلة فعالة ضد الارهاب، وإلا لكان ذلك ضربا من الجنون. ومن ثم فإن تلك الاتهامات لهذه الاجهزة تفتقر من الناحية المنطقية الى أي ذرة من المصداقية. رابعا: ان حزب الاصلاح والجماعات السلفية فيما مضى ثم جامعة الايمان مؤخراً، كانوا مفرخة للمتشددين الذين ينخرطون في صفوف الارهاب. منذ حروب افغانستان فالشيشان ثم يوغوسلافيا السابقة. وقد استخدموا بكثافة في عملية اجتياح الجنوب ضد الحزب الاشتراكي صيف 1994. وقد تخرج من صفوفهم كل من ارتكب الارهاب في الاراضي اليمنية منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وقد تحولت هذه المفارخ الى ما يشبه جامعات ومدارس للارهاب السلفي على نطاق عالمي بالنظر الى عدد الجنسيات التي ينتمي اليها المنتسبون فيها، وهو ما اتضح بجلاء في أحداث معهد دماج السلفي الذي يضم عشرات الجنسيات، معظهم دخلوا البلاد بصورة غير نظامية. ولكن لايجد المرء مفراً من التساؤل عن الدوافع التي تقود الاصلاح الى الانخراط في لعبة مؤامرة ومغامرة خطرة بل ومميتة من هذا النوع؟ لقد افصح حزب الاصلاح عن توجه انقلابي مسلح منذ انضمامه للثورة، وأعتقد ان ذلك كان نتيجة لقراءة صحيحة للواقع مفادها أنه لن يتمكن من الاستحواذ على السلطة اذا أسقطت الجماهير النظام، بل إنه سيكون معرضا للخطر أسوة بالنظام لشراكته الطويلة معه، وتورطه في اسوأ ممارساته، فذهب الى مهاجمة المعسكرات والمقار الحكومية التي نهبت على يد ميليشياته القبلية والعقائدية، بل وذهب ابعد من ذلك الى الاغتيال كما حدث في جامع الرئاسة، وفرض سيطرة حديدية على ساحات الثورة ومارس فيها العنف اللفظي والجسدي والاقصاء. ولما لم يوصله ذلك كله الى هدفه تورط في لعبة الإرهاب القاتلة، وقد تزامن توسع الجماعات الارهابية مع تصريحات لقادة الاصلاح وجنرالهم باأهم قادرون، اذا ما خرج صالح وأنصاره من السلطة، على إنهاء تهديد القاعدة كلياً في فترة وجيزة ذكر بعضهم أنها شهر واحد. ولكن ما لم يدركه الاصلاح وهو يخوض مغامرته ان اليمن اصبح احد اهم المواقع للاستراتيجية العسكرية الامريكية الجديدة، التي يقع مركزها في استراليا حيث يمتد منها ذراعان أحدهما يوازي الدول المشاطئة للمحيط الهادي، والثاني يمتد على طول المحيط الهندي ليستقر في جنوباليمن. ولعل تمدد (القاعدة) هذا يلائم الولاياتالمتحدة لأنه يوفر لها الذريعة لتخلق لها وجوداً ثابتاً هنا. والخلاصة ان الإصلاح يلعب بالنار ويعرض نفسه والبلاد للجبروت الأمريكي الغربي بلعبته ومغامرته الخرقاء المميتة.