للثورة مراحل .. ولا تنتهي حتى تحقق كامل أهدافها ... والثورة المنتصرة لا يكتمل لها النصر حتى تكتمل شروط الانتصار... (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) .. ولا ينكر المرء وجود الخلافات والاختلافات وتعدد الأيديولوجيات والرؤى السياسية والثقافية بين قوى الثورة المختلفة. وهذه ظاهرة صحية لمجتمع مدني، بشرط دفنها لأجل الهدف الأسمى والأعلى “تحقيق كامل أهداف الثورة” ... أما ظهور تلك الأيديولوجيات والخلافات على السطح مع تعصب لها وتمترس خلفها .. فيعني أننا نعيش ساحات جدلية تنافسية لا ساحات ثورية. ومن أكبر الأخطاء في مسار الثورات مناقشة المطالب الجزئية في لحظات الحسم الكلية. المجتمع المفكك .. يولد دولة استبدادية وفقا لبرهان غليون “إن المجتمعات التي لا تستطيع أن تتماسك من دون الدولة أو خارجها، هي مجتمعات مفككة بالأصل، ولا تنجح الدولة غالبا في توحيدها، اللهم إلا إذا كان معنى الدولة فرض النظام بالقهر والقوة. وما لم ينجح المجتمع في التوصل إلى حد أدنى من الإجماع، أي من وحدة الهدف والغاية والمعايير الأخلاقية، لن يكون بإمكان الدولة الحديثة بوصفها دولة المجتمع أن تقوم، وإن قامت فلن تكون إلا سلطة قهرية، مفروضة بقوة الإرادة والسطوة والعنف الذي تتمتع به النخبة الحاكمة، والتي كثيرا ما تتحول لهذا السبب نفسه إلى نخبة عسكرية أو كما هو سائد في معظم الدول العربية إلى نخبة أمنية أي مرتبطة بأجهزة الأمن السرية وشبه السرية” (مأزق الدولة بين الإسلاميين واللبراليين، ص 33). وبناء عليه فإن سبيل تحقيق الهدف الأسمى من الثورة (بناء الدولة المدنية الحديثة) يجب أن ينطلق من مجتمع متضامن، يتفق على الأهداف وإن اختلفت الوسائل، مجتمع يلتقي فيه جميع أفراده باختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم وأفكارهم تحت سقف وأرضية واحدة. المشاركة لا المغالبة مع انطلاق الثورة اليمنية في 11 من فبراير تردد اللقاء المشترك في الانضمام إليها، ولم تصل مطالب المشترك في بداية الثورة إلى حد إسقاط النظام، بل كانت عبارة عن مطالب إصلاحية، يعود السبب إلى إدراك أحزاب اللقاء المشترك باختلاف وضع اليمن عن غيرها، ففي اليمن مجموعة أطراف تتجاذب بينها المصالح، فالانفصاليون في المحافظات الجنوبية ينتظرون سقوط النظام ليمكنهم من تحقيق هدفهم الداعي إلى الانفصال. كما أن الحوثيين ومن يقف معهم من داخل النظام ذاته، يسعون لفرض هيمنتهم كقوة مذهبية في المحافظات الواقعة شمال العاصمة صنعاء. واليوم وقد قامت الثورة وحققت الكثير من أهدافها، تبقى هذه المجموعات سواء في شمال الشمال في صعدة أو في الجنوب حجر عثرة في طريق الاصطفاف الوطني بهدف تحقيق المشاريع الخاصة التي يريدونها، وهذا ما يستدعي حنكة سياسية تستطيع جمع جميع الأطراف سواء في شمال الشمال أو الجنوب تحت سقف واحد. واللحظة التاريخية هنا لحظة رئيس الجمهورية وأحزاب اللقاء المشترك. الثورة المضادة .. والمعتدلون في المؤتمر الشعبي العام مصطلح الثورة المضادة يعني رد فعل لإجهاض الثورة الحقيقية، بأساليب شتى أبرزها إلهاء الشعب في البحث عن مطالب جزئية ونسيان الهدف الأسمى الذي قامت من أجله الثورة. أو بإحداث أعمال شغب وتخريب وإرهاب أو تفجير هنا أو هناك، أو تدمير للبنى التحتية للدولة. بهدف أن يندم الشعب اليمني على الثورة التي أطلقها وأيدها، وضحى في سبيلها بالغالي والرخيص، وأن يتحسر على حكم صالح ونظامه. وهنا لسنا في معرض الإثبات على أن الثورة المضادة من صنع النظام السابق، وإن كل ما يعكر صفو العملية السياسية من صنعه أيضاً، فهذا من البديهيات،لكن المهم في الوقت الراهن أن الإخوة المعتدلين في المؤتمر الشعبي العام قد يساهمون في صنع ثورة مضادة وأن يكونوا جزءا منها، علموا بذلك أم لم يعلموا، لأن المجتمع الدولي كما يبدو وضع الكرة في ملعبهم لإقناع صالح بالخروج من البلاد أو على الأقل اعتزال العمل السياسي، إلا أن تأثيرهم محدود جدا، بل لا يكاد يذكر. فهم اليوم في لحظة تاريخية خطيرة عليهم تقديم المشروع الوطني العام على كل المشاريع الخاصة، وأن يقفوا موقفا يحسب لهم لا عليهم. نصف شربة لا تروي ظمأ العطشان أما شباب الساحات فعليهم الاستمرار بالفعل الثوري فهم البداية وعليهم أن يصنعوا النهاية، فالوقوف في منتصف الطريق لا يوصل إلى نهايتها، وعدم الثورة خير من نصفها. كما أن نصف شربة لا تروي ظمأ العطشان. وعليهم أن يدركوا ما أدركه الحكيم الإفريقي نلسون مانديلا، عندما قال: “الثورة ليست مجرد الضغط على الزناد، ولكنها حركة تهدف إلى إقامة مجتمع العدل والإنصاف” (نلسون مانديلا، رحلتي الطويلة من أجل الحرية، ص 294). فإشعال الحرب أمر سهل، لكن كسبها ليس كذلك، ومن يقف بنظره عند أفق البدايات وينسى العواقب والنهايات، ينتهي جهده بإثارة العدو لينهش جسد الوطن أكثر، بدلا من قهره وتخليص المجتمع من شره. وقد صور الشاعر اليمني عبد الله البردوني ذلك في كتابه (لعيني أم بلقيس ص 73), وهو يتأمل مصائر بعض الحركات الثورية, فقال: والأُباة الذين بالأمس ثاروا ... أيقظوا حولنا الذئاب وناموا حين قلنا قاموا بثورة شعب ... قعدوا قبل أن يُرَوْا كيف قاموا ربما أحسنوا البدايات, لكن ... هل يحسون كيف ساء الختام؟. [email protected]