قرأت قول الله تبارك وتعالى في سورة هود: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ.. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..)، فإذا تفسير هذه الآية عند بعضهم أن الله قادر يا محمد أن يجعل الناس مسلمين، غير أن للناس ميولاً وأهواءً، فمنهم من يتبع الحق فيسلم، ومنهم من يتبع هواه فيكفر. لقد يلاحظ المرء أن كثيراً من آيات القرآن العظيم تنفتح على كثير من المعاني والمفهوم، بما لا تتعارض هذه المعاني مع بعضها، بل مع المعنى الرئيس الذي يمثل الفكرة البارزة في النص. إن الأمة الواحدة هنا هي المثقفة في مزاجها وذوقها العام، وفهمها للحق والباطل والصحيح والفاسد، وهذا أمر يتعارض مع الفطرة البشرية، فلابد من التنوع واختلاف العقول والميول والأهواء والاتجاهات. لقد فسدت كثير من أمور الحياة عبر إرادة فرضها أصحابها لإمضاء رأي معين، ومن هنا خرجت الديكتاتورية وخلق الطغاة، ولقد سقط فرعون مصر؛ لأنه أراد أن يجعل الأمة المصرية أمة واحدة، فلا ترى إلا رأيه، ولا تمتثل إلا لأمره (لا أريكم إلا ما أرى)!. إن الاختلاف في سياق الآية المباركة اختلاف إيجابي؛ باعتباره فطرياً، تقره طبائع الأشياء وسنة الحياة.. إن ربّ الأسرة قد يرشح واحدة من بناته لطهو طعام بعينه، مع أن بإمكان الأخرى أو الأخريات يعرفن المقادير فهي واحدة، غير أن المرشحة لها طريقة مختلفة كيف؟ وما هي؟ ولماذا؟ لا ندري، فاتفقنا على أن هذه الفتاة تملك (نَفَساً) بفتح النون والفاء، وهو تعريف غير محدد وغير دقيق، مثل قولنا: نصِف امرأة بأنها تتميز ب(الوَرَش)، وهو قيمة جمالية غير دقيقة وغير محددة، ولذلك فإن آية قرآنية كريمة هي: (وأمرهم شورى بينهم)، والأمر هنا مطلق، قد يكون في السياسة أو الاقتصاد، وقد يكون في شأن الأسرة و(التعالق) مع الآخرين، مما يدل على أن الاختلاف مركوز في الخلق، وأنه يستحيل أن تبنى الحياة وفق طبيعة واحدة.