من خصائص الديانتين السماويتين الإسلام والنصرانية أنهما تبشيريتان مبشرتان بخلاف اليهودية التي قال عنها بعض المفكرين: إنها ديانة منطوية أو غير تبشيرية, وأحسب أن كل دعوة سماوية, كل دين سماوي هو دين لكل البشر, بحسب زمانه ومكانه وخصوصية وعمومية دعوته, ولاتخرج هذه الديانات السماوية عن ثلاثة أمور, التوحيد الخالص لله خالق الموت والحياة والإيمان بالبعث والجزاء وتنظيم العلاقات بين البشر بما يتفق مع الأمرين السابقين. وقد ختم الله عز في عليائه وتمجد في ملكوته كل شرائع السماء بدين الإسلام, فأكمل به الديانات, نعمة منه وفضلاً(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). ولما كان الإسلام هو الدين الخاتم فإن شريعته- بالضرورة- واضحة كل الوضوح, لإقامة الحجة على الناس كافة, مفهوم لكل ذي فطرة سليمة, لايقبل مطلقاً أن يحتمل تأويلاً ينحرف به عن مقاصد الحقيقة الواضحة. ولقد لحق الرسول الخاتم بالرفيق الأعلى وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. ومن اعتقد أن شريعة الله لم تبلغ وفق ما أراده الله فهو كافر بإجماع الأمة وكمال العقل. من هذا كله يتبين بوضوح أن من زاغ عن طريق الرشاد لا بد أن يحاور بالحجة ويحاول بالتي هي أحسن, وأن يقوم له علماء أبيناء ملهمون, مخلصون, صادقون, يردونه عن طريق معوج ويعالجونه من فهم سقيم. إن من الثابت منطقاً وعقلاً أن هذا الذي ينذر نفسه للموت بسخاء, يفجر نفسه بكرم بالغ, لا يخاف من أحد إنما قد مرت عليه فترة من الزمن حشي عقله بعقيدة يقينية, مفادها أنه قد ضمن له الجنة بما أعده الله فيها للأبرار من حور جنان, لو خرج نور حورية لحجبت نور الشمس.. الخ, لابد أن الذي يذهب للموت إنما قد حظي وجيرانه بأفكار سوداء متعصبة, تصادر حرية الفكر وتعمل على إرهابه فلا يكون هناك إلا الموت سبيلاً.. وهذا يدل على أن هذا الفكر قد تغلغل وتجذر في المجتمع وأنه لا دولة قد قامت بدورها ولا علماء قد أدوا ما افترضه الله عليهم من تبليغ وبلاغ, وأن هؤلاء العلماء مثلهم مثل كثير من الناس سوف يحاسبهم الله تعالى لتفريطهم وتقصيرهم. وإن الواجب الآن هو ما سنبينه غداً إن شاء الله تعالى.