غيب الموت خلال الأيام الماضية قلمين بارزين وإن كانا يختلفان في موقعيهما ومكانتيهما؛ فالاول كان رئيساً لتحرير صحيفة ((النهار)) اللبنانية بينما الثاني يرأس تحرير صحيفة ((الأيام)) اليمنية، وكلا الاسمين ارتبط بالبحث عن الحقيقة بإتاحة نافذة من المناخ الليبرالي دون أن يأبه أي منهما لعصا السلطة أو ضغوط السياسة، فقد كان الصحافي اللبناني غسان تويني شديد الانتماء الى بلاط صاحبة الجلالة، وشديد الانتماء الى الحرية، فقد كانت ((النهار)) رمزاً للاستقلالية في ظروف بالغة التعقيد بالنسبة للفرز الطائفي والمناطقي والمذهبي في هذا البلد الشقيق. وفي الواجهه الأخرى كانت ((الأيام)) وخلال فترة إعادة إصدارها بعد قيام الوحدة عام 1990م مكاناً للباحثين عن الحقيقة وللعمل الصحفي الجاد والملتزم بقضايا وهموم الوطن والمواطن.. لقد جمعتني بفقيد الصحافة اليمنية هشام باشراحيل مناسبات عديدة، خاصة عندما كنا في موقعين يتنافس كل مع الآخر، ولكن زمالة المهنة كانت أقوى من كل الظروف، فقد كنت أرأس تحريرصحيفة ((14 أكتوبر)) للفترة من 2001 - 2005م، وكان الاستاذ الفقيد الراحل الناشر ورئيس تحرير صحيفة ((الأيام)) حيث كنا نختلف في النهجين إلى حدٍ كبير، ولكننا لم ننزلق إلى المستوى الذي طبع تلك المرحلة من المكايدات السياسية والحزبية، والتي انعكست بدورها على الصحافة؛ إذ نأينا بنفسنا وبالصحيفتين في أن تقعا في منزلقات اللغة السوقية التي سادت المناخات الصحفية أثناء تلك المرحلة . ورغم الاختلاف بين الخطين، إلا أننا كنا نحافظ على قدر من الاحترام المتبادل، فالراحل الكبير الأستاذ باشراحيل كان قامة إعلامية لا يمكن تجاهلها، حيث مثلت ((الأيام)) مدرسة استحقت التقدير والثناء على أدوارها، وذلك يرجع إلى قيادته المهنية البارعة للصحيفة لتلك الفترة.. فضلاً عن الدور الذي قام به شقيقه الأستاذ تمام باشراحيل وكوكبة من الكتاب والصحفيين والسياسيين الذين كانت ((الأيام)) لا تعتبر فقط مجرد صحيفة وإنما منتدى فكري وثقافي وإعلامي تناقش فيه مختلف قضايا الوطن. بالعودة إلى فقيد الصحافة العربية غسان تويني ناشر ورئيس تحرير صحيفة ((النهار)) يمكن القول هنا أن الخط الذي انتهجته ((النهار)) كان محط إعجاب وتثمين أوساط عديدة في الوطن العربي وبخاصة في ريادتها لتأسيس تجربة صحافية حرة ومهنية استقطبت أقلاماً وأصحاب وجهات نظر وفكر ومواقف ليس من لبنان فحسب وإنما من المحيط إلى الخليج في الوطن العربي. وبرحيل الفقيدين الناشرين باشراحيل وتويني تفقد الصحافة اليمنية واللبنانية رمزين ساطعين في سماء الصحافة العربية.
أما السيفان اللذان وضعا في غمديهما فهما الشهيد اللواء الركن سالم علي قطن - قائد المنطقة الجنوبية - الذي سقط بالأمس علي يد الغدر والإرهاب..وكذلك وفاة صاحب اليد الطولى في مكافحة الإرهاب ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز، صاحب الصولات في مكافحة هذه الظاهرة على المستويين الداخلي والخارجي؛ فقد ارتبط اسم الأمير نايف بجملة من الجهود في مكافحة الإرهاب، بل إن كثيراً من التقارير تشير إلى أنه كان سباقاً في الدعوة للغة «المناصحة» مع عناصر الإرهاب والتطرف بهدف إعادتهم إلى جادة الصواب للحد من استشراء هذا الداء، وذلك حتى قبل أن تعتمد واشنطن هذا الأسلوب.
أما السيف اليماني خبأ في غمده جراء العملية الإرهابية البشعة التي طالته، وهو صامد في وجه الإرهاب؛ حيث ترجل الفارس الذي لا يشق له غبار في هذا الميدان وهو الشهيد اللواء الركن سالم علي قطن - قائد المنطقة الجنوبية - الذي كان له الدور البارز في قيادة الحملة الناجحة لطرد الجماعات الإرهابية من محافظة أبين بعد مكوثهم قرابة عامين.. فقد سقط الشهيد قطن ولم يمض على رفع رايات النصر في هذه المنطقة سوى أيام معدودة.لقد كان الشهيد سالم قطن من أبرز القيادات العسكرية الذي ظل وفياً لقضايا الوطن وجندياً صلباً في مواجهة ومنازلة الإرهاب، حيث تعرض لأكثر من تسع محاولات اغتيال كان آخرها المحاولة التي استهدفته ومعه وزير الدفاع . إن العمل الجبان الذي طال هذه القامة القيادية لن يثني اليمنيين عن متابعة هذا النهج الصارم الذي اختطه الشهيد في اجتثاث شأفة الإرهاب من وطننا الحبيب..ولا نامت أعين الجبناء .