السلام عليك يا رمضان ورحمة الله وبركاته، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإنا لفراقك يا رمضان لمحزونون، كنت شهر التوبة والرضوان، شهر الصلاح والإيمان، شهر الصدقة والإحسان، ومغفرة الرحمن، وتزيّن الجنان، وتصفيد الشيطان، كنت موسم البضاعة الرابحة، وفرصة العمر السانحة، كنت سلوة لأرواحنا بعد فزع الخطوب، وغيثاً لقلوبنا بعد جدب الذنوب، كنت ميداناً تتروّض فيه نفوسنا على الفضيلة، وتتربى على ترك الرذيلة، فما أعظم دروسك وما أحسن فضائلك! من الفائز فيك فنهنيه، ومن الخاسر فيك فنعزيه؟!. بعد غياب عام كامل زرتنا زيارة خاطفة، وودّعتنا ومازلنا نتشوق إليك وإلى نفحاتك العبقة، ولا نملك إلا أن ندعو الله تعالى ستة أشهر أن يتقبل أعمالنا، ثم ندعوه ستة أشهر أخرى أن يبلغنا إياك – كما عمل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأنت نِعم الزائر الفضيل، ونِعم الحبيب المؤانس، ونِعم الصديق الوفي. سنفرح غداً عند إفطارنا، وسننتظر الفرح الأكبر عند لقاء ربنا؛ إذا غفر ذنوبنا، وأرضى قلوبنا، وحقّ لنا أن نفرح مصداقاً لقول رسولنا – صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)، فهنيئاً لمن سابق فسبَق، وهنيئاً لمن تاب وأناب، وهنيئاً لمن أحب الله ورسوله فأحبه الله ورسوله. وها هي الفرحة هلّت على الأمة العربية والإسلامية بعيد الفطر المبارك، قائلة كما قال المتنبي: عيدٌ بأية حال عُدت يا عيدُ بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ؟ ولعل هذا العيد يحلّ علينا حلولاً جميلاً بفرح لا يُضاهى، بعد أن تنفس المظلومون والمقهورون والمستعبدون نسيم المستقبل الأجمل وعبق الحرية الفضلى في ثورات الربيع العربي، وما عليهم إلا أن ينسوا ما مضى، ويقبلوا للشيء الجديد والمتجدد بروح تواقة للتغيير، ويجسدوا ذلك الفرح بإرسال قطرات من ندى المحبة للعلاقات التي أصابها الجفاف، ويعملوا على تبادل السلام والزيارات والمعايدات والتهاني أيام العيد المبارك، وتطبيق الدروس الإيمانية التي تعلموها في الشهر الفضيل، ولعل أهمها: بر الوالدين، وصلة الأرحام والأصدقاء، وإكرام الجار، وإصلاح ذات البين، والابتعاد عن البغضاء والشحناء وما يجلب الفتن، وإشاعة المودة والرحمة وحب الخير للآخرين، وتفقد الأرامل والمساكين والفقراء والمحتاجين واليتامى والجرحى وإدخال السرور والفرحة عليهم، ولنحس بهم ونتألم لآلامهم كما يتألمون، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وما أجمل من كان شهر رمضان محطته الإيمانية التي تزوّد منها من أجل العبور في الطريق بسلام، ومن أجل مواصلة السير والعمل الخلاق في بقية شهور السنة، مغتنماً النفحات العطرة التي لا تنتهي، والمتمثلة بالفضائل التي منها: إقامة الصلوات في أوقاتها، وصيام النوافل ك(صيام الست من شوال)، وقيام الليل ولو بركعتين تجلوان صدأ القلوب وتتعلقان برب الوجود، وتتبع ما ورد في القرآن الكريم من أوامر فنعملها ونواهٍ فنجتنبها، ومنها: التوسط في المأكل والمشرب وعدم الإسراف وخاصة في المناسبات، مصداقاً لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين). الأعراف: 31. وعيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير. [email protected]