لم يكن الناشط السياسي محمد علي أحمد مبالغاً في وصفه لواقع ما بات يُعرف اليوم بالحراك الجنوبي ،عندما أقر في سياق حوار له مع صحيفة (الأمناء) أنه يعاني من انقسامات حادة في صفوفه، وأن هنالك شخصيات تغلب عليها نزعة السلطة وتتمسك بقراراتها حتى وإن كانت خاطئة.مما لاشك فيه أن كلام محمد لم يأت من فراغ ، فثمة عراك حقيقي داخل فصائل ومكونات الحراك ، والذي ظهر جلياً في مؤتمرالقاهرة المنعقد في نوفمبر2011، حين رفض البيض المشاركة في أعماله ، وقيام مجموعة اطلقت عليها بعض وسائل الإعلام (مجموعة ال19 الحضرمية) بإعلان انسحابها من المؤتمر قبيل انعقادة بنصف ساعة ،ويؤكده اليوم فشل المجلس الأعلى للحراك في التوصل إلى اتفاق يتحدد على ضوئه موعد انعقاد مؤتمره الأول،الأمر الذي يدل على وجود شرخ غائرفي مكونات الحراك ، وتصدع واضح للعيان في بنيانه. ما تجاهل الخوض فيه محمد هو ماهية تلك العوامل التي تلعب دوراً حاسماً في زيادة حدة الانقسام داخل مكونات الحراك ،نوجزها فيما يلي:1 - وجود قوى خارجية ذات ثقل إقليمي ودولي تعبث في أوراق ملف القضية الجنوبية وتتلاعب بها من خلال ضخ مليارات من العملة الصعبة لبعض القيادات الجنوبية التي تعمل لحسابها، والتي ما انفكت تدفع بهم لركوب الموجة تنفيذاً لأجندتها السياسية ،ولتتمكن من استغلال أوراق القضية للإبتزاز السياسي ، وعلى رأس تلك القوى إيران من جهة والخليج من جهة أخرى، ففي الوقت الذي تدعم فيه الأولى مشروع الانفصال، تدعم الثانية مشروع الفيدرالية، وهنا أذكركم بشهادة العميد ناصر النوبة أحد قيادات ومؤسسي الحراك ،والذي قالها صراحة في حوار أجرته معه صحيفة الشرق السعودية من أن البيض يحاول شق الصف الجنوبي بأموال إيرانية ،ولكن هذا لايعني عدم وجود قوى وطنية أهدافها سليمة، ولكنها للأسف تواجه حرباً ضروساً من قبل تلك القوى المسيرة من الخارج والتي تحاول إخماد صوتها بشتى السبل. 2 - من يتظاهرون بأنهم شركاء اليوم في الحراك كانوا هم أنفسهم فرقاء الأمس ، سالت الدماء بينهم إلى الركب في أحداث يناير، ولاتزال نزعة الانتقام بينهم قائمة وستظل،ولذلك لو نجح مشروع الانفصال لاقدَّر الله، فإن المحافظات الجنوبية ستكون أول من يدفع الثمن ، حيث سيتم فتح صفحة جديدة من تصفية الحسابات بين الزعامات المتصارعة منذ زمن بعيد ،وستكون تلك المناطق ساحة مفتوحة لتسوية تلك الفواتيرالمتراكمة، والتي أضافت لها حرب صيف 94 كلفة جديدة ويُعد هذا العامل سبباً آخر يفسر إصرار البيض المستميت على الإنفصال ، فبالإضافة لدعم إيران السخي لإنجاح مشروع الإنفصال الذي يتبناه ، فإن وصول الجناح المناوئ له اليوم إلى سدة الحكم ، زاد من إصرار الرجل على التمسك بخيار الانفصال، مما يعني استحالة التعايش وحتمية التنافر بينهما ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قراءة المواقف المتباينة لتلك الأطراف ، ففي حين يحبذ الرئيس علي ناصر خيار الفيدرالية ،نجد أن البيض يتبنى الموقف النقيض المتمثل في الانفصال. 3 - لانستطيع إنكار وجود صراعات مناطقية داخل مكونات الحراك ،تعود جذورها إلى فترة حكم الرفاق قبل الوحدة، والذين قاموا بتهميش محافظات بأكملها ، والتاريخ يزخر بالكثير من تلك الحقائق لمن أراد معرفتها، فحضرموت ذات الخصوصية الثقافية والاقتصادية على سبيل المثال، عانت إبان فترة تفرد الإشتراكي بالسلطة قبل الوحدة من أقسى أنواع القهروالحرمان،حيث قُمع علمائها ،ونُكل بتجارها، وشُجت رؤوس فلاحيها بالفؤوس تحت شعارات براقة وجوفاء لامعنى لها، ولذا فقد ظهرت اليوم بعض الأصوات من هنا وهناك التي تدعو إلى التأهب لإعلان دولة حضرموت في حالة نجاح مشروع الانفصال، إذ يبدو أن الحضارم ليس لديهم الاستعداد لخوض غمار التجربة المريرة مرة أخرى، فالمؤمن لايُلدغ من جحر مرتين. 4 - كثرة الفصائل ،وتعدد قياداتها ،وتنوع مواردها، يشكل عاملاً هام في تعميق هوة الخلافات بين تيارات الحراك. إن استمرار حدة الانقسامات داخل مكونات الحراك على هذا النحو ، وتباين مواقفها خصوصاً حيال عملية الحوار الوطني الشامل ، وإصرارالبعض منها على فرض شروط تعسفية للدخول فيه ،كل ذلك من شأنه وضع المزيد من العراقيل أمام الجهود الحثيثة لانتشال اليمن من مستنقع التمزق الذي يهدد أمنه واستقراره ، ولذا فإن ما جاء على لسان محمد علي أحمد الذي تمنى للحوار الوطني النجاح شريطة أن تتجه القضية الجنوبية -على حد قوله- نحو تقرير المصير ، لايعدو عن كونه استباقاً للأحداث ، فذلك الطرح يتناقض مع مفهوم الحوارالذي يقوم أساساً على المناقشة بين الأطراف المتحاورة بجدية وصدق، مع عدم مصادرة آراء الآخرين وصولاً بالتالي إلى حل وسط يرضي الجميع وعلى قاعدة لاضرر ولاضرار،خصوصاً وأن معزوفة تقرير المصير التي صدّعوا رؤوسنا بها، سيتحدد على ضوئها مستقبل البلاد برمتها. كلنا أمل أن ينجح اخوتنا أبناء المحافظات الجنوبية في الإعداد لمؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي والذي لم يتم الاتفاق على تحديد موعده حتى الآن للمرة الثالثة، والخروج منه برؤية واضحة تجاه كل القضايا العالقة وفي مقدمتها الحوار الشامل، وهو ما لن يتأتى إلا بخلعهم عباءة التبعية للقوى الخارجية في المقام الأول، وتخلصهم من سيطرة أصحاب المشاريع الصغيرة ، خصوصاً وأن القيادة السياسية عازمة على تذليل كافة الصعاب ، وسد كل الثغرات أمام كل من يحاول الإصطياد في الماء العكر، وما تضمنته النقاط ال20 من المتطلبات اللازمة لإنجاح الحوارتم رفعها من قبل اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار للرئيس وموافقته الفورية عليها ،إلا تاكيداً على قناعة الوطنيين بضرورة قلب صفحة الماضي والسير في اتجاه التغيير الجذري ، مالم فإن النتائج ستكون كارثية على الجميع بلا استثناء ،وستفضي لامحالة إلى تشرذم الوطن إلى دويلات وكيانات صغيرة..