يبدو أن إنتاج الفيلم المسيء لرسول المحبة والتسامح والسلام في مثل هذه الظروف العصيبة من ثورات الشعوب العربية ضد الظلم والاستبداد وديكتاتورية الأسر المستحوذة على القرار والمقدرات.. بعد أن وجدت هذه الثورات التأييد والترحيب من قبل الغرب.. بل والمساندة العسكرية العملية لبعضها كما حدث في ليبيا برغم طابع بعضها الإسلامي، أو استحواذ بعض التيارات الإسلامية منها بنصيب الأسد، كان معداً وممنهجاً بطابع سياسي عدواني متعمد لا علاقة له بفن سينمائي، خصوصاً وعديد من المنظمات الصهيونية وعلى رأسها إسرائيل كانت تراهن على قلب ظهر الغرب لها، وخصوصاً في أميركيا بعد اتضاح رجاحة التيارات الإسلامية فيها.. غير أن الغرب بما في ذلك أميركيا خيبوا هذه المراهنة التي إدراك الجميع أنه لا قبل لهم بإعطاء غضبة شعوب ثائرة متأججة على أوضاعها البائسة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. هم أعرف بها، وأقرب إليها أكثر من الشعوب المنتفضة ظهورهم.. لإدراكهم أنها ثورة اجتماعية شاملة منتصرة، ولا رجعة فيها بعد أن فاض وطفح صبر الشعوب، استقبلها الغرب بكل ترحاب، وبتصريحات مؤيدة لم تكن إسرائيل، ولا منظماتها في الغرب تتوقع حتى أقل القليل منها في فتح صفحات بيضاء من العلاقات والتعاون مع تيارات إسلامية لم تكن لترتاح من قبل العلاقات معها هي المصالح على أي حال ومتغيرات السياسة لم ولا نبالغ فكان لابد أن تقوم إسرائيل ومنظماتها بفعل أي شيء مثير يستفز العالم المنشغل بترتيب أوضاعه الطارئة الجديدة ويقلب طاولة الغرب على ظهره.. فلم تجد أكثر من فيلم الإساءة لرسول الإسلام والمسلمين ملاءمة من إدراكها بحساسية المسلمين تجاه معتقدهم، وسرعة رد فعلهم المحتديَّ الذي لن يخلو من العنف، فالإساءة لمؤسسات الغرب بما يحقق الغرض المطلوب من إنتاج الفيلم.. فقتل السفير الأميركي وثلاثة من القناصل الأميركيين في بني غازي بؤرة شرارة الثورة التي امتدت إلى إنحاء ليبيا، ولقيت السند العملي ضد مجنون ليبيا من الغرب.. في ظننا لم يكن عفوياً في رد فعل ولا هم يحزنون، وإنما كان ضمن مخطط مسبق ومرتب للإساءة القصوى لثورة ليبيا وثورات الربيع العربي مجتمعه رتب لها عناصر لا تعنيهم إساءة الفيلم للرسول ولا غيره أكثر من الهدف المنشود في رسالة للغرب وأمريكا على وجه الخصوص” أن هؤلاء المسلمين مسلمو اليوم المنظمين.. هم مسلمو الأمس الغوغائيين في كل زمان ومكان ولا يستطيعون أن يرتقوا في ردودهم، ولا في احتجاجاتهم أو علاقاتهم مهما صنعتم.. والمؤسف والمؤلم أن إخواننا حقيقة لم يستطيعوا حتى الآن بعد جولات عديدة من ردود الفعل العنيفة في أي إساءة أن يتجاوزوا نفس الإساءة في كل مرة إن لم يكن الأعنف من سابقتها وتحقيق الأهداف التي يراد منهم أن يحققوها لغيرهم، كان يمكن أن تكون فعلة بني غازي في قتل الأميركيين مؤشراً لبقية المحتجين المسلمين في اليمن وتونس والسودان، ومصر وبقية البلدان الإسلامية المحتجة للمطب الذي أراد الإسرائيليون ومنظماتهم في أمريكا خصوصاً، وأعداء ثورة ربيع الشعوب أن يعوا الرسالة. فيتجنوا تحطيم اسيجة الحديد في سور السفارة الأمريكية في السودان وإتلاف العديد من السيارات وإحراق بعضها في محيط السفارة في اليمن، ونشوب الحريق الضخم في السفارة بتونس والاقتتال لكن ما كل ما يتمنى مجتمع العرب المدني والمسلمون ومثقفوهم وعقولهم الحضارية بالغة في ظل التربية والإعداد الذي يرسخه العديد من الطارئين على الفقه اللامتسامح من البغض والكراهية المجانية الغير مستبصرة .. ما يتيح لكل العناصر المعادية والمأجورة والمتضررة من انتفاضة الشعوب أن تقودها في الوقت المناسب إلى ما لم تكن قد أعدت له، ولا فكرت فيه ولا رضيت به بعد فوات الأوان. من يستطيع أن يقول لنا من الغاضبين العفويين المهاجمين للسفارات مالذي صنعته سفارات بريطانيا والمانيا إذا كان الفيلم المسيء قد أعد وأخرج ومثل في أمريكا وما دخل سفارات أمريكا أيضاً؟ إن كان الفاعلون آخرين غير السفارات المجاورة الآمنة إن لم يكن الفيلم المسيء لرسول الإسلام الكريم لم يقصد به الإساءة له في حد ذاتها، وإنما مجرد وسيلة لتحقيق غايات اخرى هي الإيقاع بالمسلمين جميعاً والعرب منهم على وجه الخصوص الذين انتفضوا على أوضاعهم المزرية لترسيخ نفس الصورة المتصحرة عنهم في أمريكا والغرب رغم انتفاضتهم التي يدعون نشدان الحرية والديمقراطية والانتقال من خلالها لأنظمة الدول المدنية والحضارية:” هاهم العرب المسلمون الذين هللتم لثورتهم وها هي الهمجية الخطيرة المتأصلة في ثقافتهم لن تنمحي”. الأخطر أن يشاع بأن من انتجوا الفيلم هم من “الأقباط” المهاجرين في بعض وسائل الإعلام المفرضة لينبري البعض من خطباء المساجد في الجمعة الفائتة إن لم يكن جلهم مجاراتهم للتنديد بالأقباط دون تفكير أو موازنة لخطورة النغمة وما يترتب عليها من إثارة مسلمين مصر على وجه الخصوص ضد الأقباط بل ضد الثورة المصرية بمجملها لإدخال مصر فيما لا يحمد عقباه من الصراع العقيدي والطائفي للإطاحة بثورتها باعتبار مصر مركز المدد المركزي لشرارة أي ثورة أو انتفاضة قد تحدث هنا أو هناك هي المعاني والأهداف من وراء انتاج الفيلم المسيء. الرئيس المصري القدير الدكتور محمد مرسي فطن للمطب المعد فأوعز لسفارته في واشنطن برفع دعوى قضائية ضد الفيلم ومنتجيه وهو سلوك مدني وحضاري فوت به جزء كبير من مكاسب الخبثاء وخيب عليهم بعض الأهداف المنشود جنبها من غضبة المسلمين فأستحق بذلك التقدير والتبجيل من أمة العرب والمسلمين وكذا منظمة المؤتمر الإسلامي التي طالبت بتوحيد مطالب المسلمين للأمم المتحدة بتشريع قانون يحرم التعرض للمقدسات الدينية والعقيدية من أي كائن كان بالتشنيع هي المواقف المدنية والحضارية المخيبة لمن أرادوا جني الأرباح كلها لصالحهم من فعلة بعض العملاء والحمقاء ..وإن كان ذلك لا يمنع فقهاء المسلمين وعلمائهم المستنيرين من إعادة النظر في أدبيات معتقدهم وتنقيته من كل ما لفق به من الروايات الخرافية والأساطير وتنقيته من بعض أحاديث وروايات العاطلين عن الإبداع والعلم، وبما يفوت على الآخرين هزأهم ولا تفوتنا هنا دعوة إخواننا من العرب والمسلمين أينما حلوا وظلوا أن يتحلوا بالسلوك المدني والحضاري في التعبير عن احتجاجهم وحتى غضبهم بالمسيرات السلمية بعيداً عن العنف والقتل والتحطيم ذلك هو السلوك الذي يغيض أعداءهم المتربصين ويمنعهم من تكرار الإساءة لجني أهدافهم المبتغاة كلما أرادوا. وهو متوافق مع الفهم الحقيقي لآيات القرآن الكريم الحاظة على الجدل بالحسنى والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والناهية عن الغلظة في الدين. أخيراً ما نتمناه من القلوب والأعماق أن لا تؤثر فعلة إخواننا اليمنيين المهاجمين لسفارة اميركا بتلك الحدة المفتعلة على مؤتمر أصدقاء اليمن المانحين في نيويورك أواخر سبتمبر الحالي. فالله الساتر ولله في عباده الذين لا يريدون لهذا البلد حتى الخروج من «معقم» الباب شؤون.