تتحول السياسية الى عفن شديد النتونة عندما تغدو المصالح والشخصية والحزبية والمناطقية والطائفية وما يريده الزعيم والعائلة مقدماً على مصالح الوطن العليا ,وأمنه واستقراره , هنا تغيب القيم وتضمحل المبادئ ويصير ادعاء الوطنية وحب الوطن مجرد “خرط “وضحكاً على الذقون واستخفافاً بالعقول مهما حاول الساسة ان يغالطوا ويزعموا انهم يعملون من اجل الوطن .. فالذي لا يزال غير مؤمن بالتغيير ومصراً على استمرار حكم العائلة بعد ان قامت ثورة شعبية زاعما ان ذلك خير للوطن فهو لا يملك في قلبه مثقال حبة خردل من وطنية ..مهما قال وادعى وألقى الخطب الرنانة وكتب القصائد العصماء ... ومن يسعى الى فك الارتباط وتفريق وحدة الوطن غير عابئ بالمشكلات التي سوف تترتب على ذلك متناسيا ان الوحدة والاتحاد جزء من عقيدتنا فهو يريد الانتصار لذاته وتحقيق مصالحه الشخصية على حساب الوطن ،ومن يعمل على نشر الطائفية والسلالية التي تقسم الناس الى سادة وعبيد مستغلا اوجاع الوطن وعثراته تحت ذريعة تحرير الوطن من الوصاية فهو انتهازي مهما حاول تجميل وجهه وتزيين جسده ... ومن يريد الهيمنة والسيطرة والاستحواذ واقصاء الآخرين بعيدا عن التوافق والشراكة التي تقتضيها مصلحة الوطن فهو يضرب الوطن في مقتل ويعيده الى عهد الاستبداد وينقلب على اهداف الثورة ومبادئها ... هؤلاء جميعا يدعون الوطنية وحب الوطن لكنهم بعيدون عنهم بعد الشمس لأن الوطني الحقيقي هو من همه ايجاد وطن موحد آمن مستقر يكفل المساواة، والعدالة، والحرية، وتكافؤ الفرص. يشارك الجميع فيه دون إقصاء أو تهميش أو تمييز. تسخر موارده العامة لصالح مواطنيه جمعياً، ولا تسخر لمصلحة أقلية محدودة. وطن تتوفر فيه فرص تعليمية لكل الأطفال، ودواء لكل المرضى، وماء لكل العطشى، وطعام لكل الجوعى، وأمن لكل الخائفين. وطن فيه الوزير والقائد مجرد موظف ان أحسن وقام بواجبه شكرناه وان قصر وتقاعس عزلناه وحبسناه.. الوطني الحقيقي دائما يسعى الى وحدة الكلمة ولم الشمل والبحث عن نقط الاتفاق ويبتعد عن نفط الافتراق ويفرح كلما توافق الناس وتقاربوا يعتبر الحوار هو مفتاح الحل لكل مشاكل الوطن يعمل على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة عنوانها “الوطن اولا وما سواه خراب” الوطني الحقيقي لا يهمه من يكون الحاكم ومن أي حزب أو جماعة أو منطقة او طائفة يكون لا يهمه ان كان شمالياً او جنوبياً ، اسود او ابيض شيخاً او قبيلياً عسكرياً او مدنياً ما يهمه هو كيف يحكم لا كيف سوف يصل الى الحكم .. الوطني الحقيقي يقدم التضحيات من اجل الوطن ثم لا يتبع ذلك مناً و لا اذى ولا يسعى الى مصلحة او منصب يدور مع مصلحة الوطن حيث ما دارت فإن اقتضت مصلحة الوطن ان يكون في المقدمة كان في المقدمة و ان اقتضت مصلحة الوطن أن يكون في المؤخرة كان في المؤخرة.. اعتقد ان هذه هي مواصفات الوطني الحقيقي التي نحن في أمس الحاجة لها اليوم ..ونتمنى من الساسة ان يعلموا جيداً ان الأوضاع لن تصلح و الأمور لن تستقر إلا اذا صفت القلوب وسمت الأرواح وزكت النفوس , فالقلوب المريضة المسكونة بالحقد والكراهية لا يمكن ان تنتصر للقضية او تحقق هدفاً لأنها عمياء لا تبحث الا عن ذاتها ...والنفوس المتطرفة التي لا تقبل بالآخر وتعتقد انها الحقيقة المطلقة وما سواها هو الضلال لا تبني وطناً ولا تعمر كيانا ولا يرى منها الناس الا الخراب والروائح النتنة التي تنتشر في كل مكان فيكون نتاجها شقاء البسطاء...