البعض من الذين يلهثون وراء السلطة ليس لديهم أهداف وطنية عامة بقدر ما في رؤوسهم من أهداف ذاتية ومنافع خاصة، ولذلك تجد مثل هؤلاء يتسكعون لدى أصحاب مراكز القوى الذين يؤثرون في اتخاذ القرار بطريقة أو بأخرى، وقد وصل الأمر بطلاب السلطة أن يذلوا أنفسهم في سبيل تحقيق طموحاتهم ورغباتهم غير الشرعية وغير الأخلاقية، ويبذلون في سبيل الوصول إلى ذلك كل شيء، ويتنازلون عن كل القيم الأخلاقية والدينية ويتجردوا من كل المبادئ الإنسانية؛ لأنهم يعدون أنفسهم لممارسات عدوانية تحقق رغبات العابثين. إن واقع الحياة اليومية يعطي دلائل عملية على أهمية الالتزام بالدستور والقانون في تولي الوظائف العامة، وعدم السماح بتجاوز تلك النصوص، ولكن ما الذي يحدث على أرض الواقع؟ إن الذي يحدث اليوم من عدم الاعتراف بالآخر هو دليل قاطع على أن الذين وصلوا إلى وظائف قيادية إدارية لا يملكون قدراً معيناً من معايير تولي الوظيفة العامة، ولذلك يريدون أن يقلبوا الحياة رأساً على عقب؛ من خلال رفض الكفاءات، ومنع وصولها إلى المواقع المتقدمة، وإعطاء الفرصة لمن يقبل أن يكون عبداً لهم فقط، يسيّرونه وفق رغباتهم، ويرفض الانصياع للدستور والقانون، ويؤمن إيماناً مطلقاً بأن من أوصله إلى السلطة أو الوظيفة العامة هو وحده الذي يلتزم له بالولاء والطاعة، حتى لو كان الشيطان الرجيم، ويصبح الدستور والقانون لا قيمة له عنده. لقد قدم لنا مشهد الحياة السياسية نموذجاً من هذا النوع الذي يقبل أن يكون مجرد عبد يسيّر من الآخرين حسب هواهم ورغباتهم العدوانية على مقدرات الشعب، كما قدم لنا المشهد نموذجاً آخر من النبلاء الذين رفضوا العبودية لغير الله، ورفضوا عبودية الإنسان، وأصروا على ضرورة الالتزام بالدستور والقانون. وهؤلاء وحدهم هم الذين يركن عليهم في تولي المناصب العامة؛ لأنهم سيكونون أحراراً من الارتهان لأحد، ولن يرضخوا لأحد، وسيكون الدستور والقانون هو المقيد لتصرفاتهم وإنجاز أعمالهم بما يحقق الإرادة الكلية للشعب بإذن الله.