ثار شباب اليمن وقدموا الشهداء والفداء والتضحيات ليخلقوا دولة مدنية حديثة يرون فيها العدل والمساواة بين كافة المواطنين وإلغاء التمايز بين فئات الشعب أفرادا أو جماعات ، وإذا بهم وبنا نفاجأ بالإصرار المتعمد على أن نظل في وادي القبيلة ومشايخها الذين لم نلق منهم إلا الغطرسة والنهب للمال العام وفرض الأتاوات وتجهيل أبناء وأفراد قبائلهم .. ليظلوا دائما وأبدا أدوات قمع وقهر بأيديهم يصنعون منهم جلاوزة وقتلة وقطاع طرق ووسائل إرهابية ،لا يجيدون إلا التمنطق بالسلاح ومرافقة مشايخهم ، والفود والتفود ، فتلك ثقافتهم وما تعودوا عليه منذ النشأة تنفيذا لرغبات المشايخ ، الذين يحرصون أبدا على أن تظل المناطق القبلية وأفرادها بعيدا عن العلم وكل أسباب الحضارة والتطور ، وأن يظل أبناء القبيلة في جهل دائم وتخلف ليسهل قيادهم وتسييرهم واستغلالهم كيفما يشاء المشايخ والوجاهات القبلية .. فهم أي المشايخ ينهجون نفس السياسة التي كان الأئمة الطغاة يمارسونها على الشعب اليمني بكل حذافيرها ، بل وأسوأ من ذلك تحت شعار ( جوع كلبك يتبعك ) لاعتقادهم الراسخ أن أبناء القبائل لو تعلموا وتخلصوا من الجهل ووعوا واقعهم المزري لتمردوا عليهم ولما ظلوا على ولائهم لأحد إلا لله سبحانه وتعالى وللوطن فقط ، ولن يستطيع أحد سواء كان شيخا أو أحد الوجاهات أن يستغلهم ويوجههم إلا بما يرضي الله والوطن ، لا لأطماع وطموحات ذاتية كما يفعل المشايخ الآن ، وبوجود وخلق الدولة المدنية الحديثة يرى المشايخ أنهم لن يكون لهم ولا لأطماعهم وطموحاتهم المتعارضة كليا مع مطامح الشعب أي وجود أو قبول أو منفذ .. لذا نجدهم بين آونة وأخرى يظهرون علينا بعدة حيل وأفكار الغرض منها فقط ديمومتهم وديمومة امتيازاتهم ، ليظل الشعب على ما كان عليه قبل الثورة الشبابية ومرحلة التغيير ، وليظل أبناء القبائل سخرة بأيديهم يسلطونهم على من يريدون ووفق ما يشاءون لتنفيذ كل مطالبهم وأغراضهم وأهدافهم بقوة السلاح وحشد القبائل للضغط على السلطة أو أية جهة ترفض ما يريدون أو تعترض على تصرفاتهم الرعناء .. فهم أي أولئك المشايخ كل يوم ولهم تقليعة جديدة مرة مؤتمر لمشايخ اليمن ومرة تحالف مشايخ اليمن ومرات صرعات أخرى ما انزل الله بها من سلطان ، لا غاية ولا هدف لها إلا إثبات وجود وعرقلة خلق الدولة المدنية ، التي لن تتواءم مع عقلية المشايخ وأفكارهم ومصالحهم ، ولا يمكن أن تكون في ظل الانفلات الأمني الذي يمارسه ويفرضه المشايخ من خلال قبائلهم.. وإذا بالشعب وشبابه الذين ضحوا وناضلوا لتحقيق العدالة والمساواة وخلق الدولة المدنية لم يعملوا شيئا ولم يتحقق من التضحيات سوى أن استفادت منها القوى السياسية التي حققت لنفسها المشاركة بالسلطة ، وقيام بعض المشايخ بالالتفاف على الثورة واحتضانها بحجة الحماية وإعلان انضمامهم للثورة ليسلبوها من أصحابها الحقيقيين أصحاب المصلحة فيها ، الذين بذلوا الأرواح والدماء في سبيلها ، ولكن بفهلوة خبيثة صارت تلك الثورة الشبابية في أحضان و(عب ) المشايخ وبعض قادة الفرق العسكرية وبعض السياسيين المتمصلحين ليساوموا بها ومن خلالها ليحققوا مصالحهم وليصبحوا شركاء في السلطة والغنيمة .. وقد يقول البعض إن المشايخ ليس منهم أحد في السلطة الجديدة كما كانوا في السابق ؟ فأجيبهم أن ذلك قد يكون في ظاهر الحال صحيح ولكن هناك منهم من ويستميتون لكي تبقى امتيازاتهم ويبقون عاملاً مؤثراً في الدولة حتى لا تنتقص مصالحهم ولا تتعرض للإلغاء ، ويظل المال العام حنفياته مفتوحة لهم دائما كما كان حاصلا في العهود السابقة ، وعلى ظهر القبيلي الجاهل المتخلف الساذج .. ولكي يعيقوا حدوث الدولة المدنية وبروزها على الواقع التي يتساوى فيها الناس جميعا ويصبح الكل سواسية أمام الدستور والقانون كأسنان المشط ، لا سيد ولا مسود ولا شيخ ولا رعوي لا فرق بينهم إلا تقوى الله تعالى ، وكل بحسب كفاءته ومقدرته ومؤهله العلمي ، لذلك تتبرعم وتنبع من العقول المريضة والمهووسة بداء التسلط والتفود والهيمنة بين آونة وأخرى كيانات عفى عليها الزمان ولا تجدي شيئا في ظل المتغيرات ووعي الجماهير وإدراكها بما يخطط له أعداء الدولة المدنية ومعارضيها وأعداء الشعب ومطامحه المشروعة ، فتلك الكيانات والتحالفات والتجمعات للمشايخ وأقرانهم وأمثالهم لم تعد قادرة على وقف عجلة التطور ولا وقف عملية الحوار الذي سيتم طال الزمان أم قصر.. فالقضية لم تعد رغبة فردية لفلان أو علان ولا لفئة أو أخرى ، فالأمر صار محسوما لصالح الوطن إن شاء الله تعالى ولصالح الدولة المدنية ، ومن يقف أو سيقف أمام الرغبة الجماهيرية لن يكون إلا خاسرا ، ومن يعتقد أن الشباب و الشعب بجملته صارا في عبهم وجيوبهم وبأحضانهم فهو واهم لا محالة ، فمعطيات الأحداث والوقائع والمؤشرات تنبئ أن الغلبة بلا شك ستكون للحق دون الباطل وللأغلبية الجماهيرية دون الأقليات التي تريد وأد الثورة الشعبية الشبابية ، وتريد تحقيق أجندة خاصة تتعارض كليا مع أجندة كل الجماهير ورغباتها .. والمشايخ مهما تحالفوا أو ائتمروا أو تآمروا فلن يستطيعوا وقف عجلة التاريخ الذي أصبحوا خارجه إلا إذا ( تعوذبوا ) من الشيطان ورضوا بأن يكون شأنهم شأن العامة من الناس وهدفهم هدف كل الجماهير ، وآمنوا أنهم مقدمون على دولة مدنية لا مجال فيها للانحرافات ولا للتسلط والفود والتفود ، وسعوا وعملوا مع كل قوى الشعب على تطوير مناطقهم وأبناء قبائلهم وإزالة الجهل والتخلف عن كاهلهم .. فأموالهم ومكتسباتهم التي نهبوها وجمعوها طوال عقود من عمر الدولة والثورة السبتمبرية منذ قيامها وحتى الآن كفيلة بإحداث نقلة هائلة ونوعية متطورة ليس لمناطق قبائلهم ولكن لليمن كله ، وليعدوا ذلك زكاة أموالهم ،بصرفها فيما يرضي الله ببناء المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات وغيرها من الخدمات العامة ، فيكونوا بذلك قد أثبتوا فعليا وعمليا أنهم بحق وحقيقة حريصون على قبائلهم وأبنائها ويستحقون أن يتمشيخوا عليهم .. أما النخيط والشخيط فلم يعد له مجال ، حيث لم يعد أحد يخاف من التهديد والوعيد ، ولا من محاولة إشعال نار الفتنة تلك الفتنة التي أراد أو يريد نجل شيخ مشايخ حاشد المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان كما سمعت مطفئا ومهدئا للفتن لا مشعل لها ، ولكني أظن وبعض الظن ليس إثما أن الشيخ عبد الله لمشاغله الكثيرة نسي أن يحسن تربية أولاده على حب الوطن والولاء له .. فترك لهم الحبل على الغارب فما أن توفاه الله حتى ( اتعفرتوا ) وصاروا وحوشا يجمعون حولهم قطاع الطرق وناهبي حقوق الناس ، وحتى بلغ بأحدهم أن قام في مؤتمر تحالفه المشيخي يهدد أبناء الجنوب متوعدا لهم بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وكأنه هو وإخوانه وأزلامه وقبائله لم يكفهم أنهم أصحاب اليد الطولى في مشكلة الجنوب بما اقترفوه ومارسوه من فود وتفود وغطرسة وتجبر أثناء حرب صيف 1994م وبعدها .. ولأنه غر لا يعرف أولا يتذكر أن أولئك الذين هددهم أو يهددهم ويصرخ فيهم متوعدا من ناضلوا وجاهدوا وأخرجوا المستعمر البريطاني وشاركوا مشاركة فعالة قبل قياداتهم في صنع الوحدة المباركة دون أن يتفيدوا أو ينتظروا «الزلاج» أو الميزانيات من فلان أو علان أو من جهات خارجية كما يحصل لأغلب مشايخنا الأشاوس هداهم الله ، فتعقل يا شيخ وادرك أن لقب شيخ لم يعد ذلك الذي تفخر به ، وكن مواطنا صالحا يسعى ويعمل مع الجميع على استقرار البلاد وسلامها تكسب محبة الله والناس.