لا أعتقد أن هناك جيش في أي بلد أو دولة من دول العالم ليس له نظام وهيكلة وأسس صحيحة وبالذات في دول العالم المتحضر، الذي تسوده السلطة المدنية والعمل المؤسسي، إلا في بلادنا فلا زال الجيش فيها كما تركه الأئمة الطغاة، أيام الفود وضرب كل قبيلة بأخرى.. فمنذ قيام ثورة 26سبتمبر لم تستطع الدولة طوال عهودها المتعاقبة أن تؤسس وتوجد جيش وطني قوي وسليم، فما حدث من تطور فيه أن أفراده وضباطه ارتدوا الملابس العسكرية وحملوا الرتب على الأكتاف، استغلها الكثيرون منهم نتيجة لانعدام الوعي والضبط والربط ومن في قلوبهم مرض (للشخط والنخط والهنجمة والإنحيط) على عباد الله، يتفودون لهم ما يريدون وينهبون ما يريدون من أموال أو عقارات وغيرها دون حسيب أو رقيب، وياويل من يعترض أو يتأفف فسرعان ما يدخل في حيص وبيص، إلا إذا تولاه الله برحمته.. طوال خمسين عاما من عمر النظام الجمهوري لم يوجد جيش قوي ولاءه لله والوطن والثوابت الوطنية ، فما هو حاصل جيش ممزق مشتت الولاءات والانتسابات للقبيلة ومشايخها ووجاهاتها، سواء كانوا مسئولين أو ضباط كبار أو مشايخ متنفذين، وإلا لما حصل ما حصل خلال ثورة الشباب التغييرية، حيث انشق الجيش إلى ضد ومع وصارت كل وحدة وكل فرقة ولواء تدين بالولاء والطاعة لقائدها المباشر أو لشيخها لا لغيره .. حيث رأينا وسمعنا الحرس الجمهوري بكل تنويعاته لا ينقاد ولاءً إلا لأحمد علي ووالده الرئيس السابق، ومثله الفرقة (التي لا أتذكر رقمها) لا تنقاد أيضاً إلا لعلي محسن الأحمر يوجهها أينما يريد ويصنع بها ما يشاء، وكذلك ما يسمى بلواء الشهيد محمد محمود الزبيري الذي يقال أنه كان يتبع المرحوم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والآن يتبع بالولاء لأولاده، وربما هناك ألوية وفرق أخرى لا يعلمها إلا الله والراسخون بالعلم تتبع مشايخ ووجاهات آخرين، والمضحك في الأمر وشر البلية ما يضحك أن الدولة هي التي تتحمل كل تكاليف تلك الألوية الخاصة من تموينات وأسلحة وغيرها، بينما ولاءها المطلق للمشايخ يهددون بها الدولة والمواطن.. أي أن ذلك اللواء المسمى بلواء الشهيد الزبيري وغيره الذين لم نعرف عنهم إلا أخيراً بفضل الثورة الشبابية التي فتحت الآفاق لحرية الرأي والمعلومة، كان ولاؤهم لغير الدولة ولغير الوطن، ويعلم الله وحده ما قد صنعوا سابقاً ولاحقاً لصالح من يدينون لهم بالولاء، ولذلك لا يلام الشباب الثائرين ولا تلام أيضاً كل القوى الوطنية وكل فئات الشعب عند ما طالبوا وألحوا وبإصرار على ضرورة هيكلة القوات المسلحة والأمن وإخراجهما من الولاءات الشخصية المتعددة التي لا تخدم إلا مصالح وأغراض خاصة وذاتية لمن يرأسون ويقودون وحداته وفرقه وألويته.. فالجميع يردون ويطالبون بجيش موحد القيادة والإرادة والولاء، جيش يكون ولاؤه المطلق أولاً وأخيراً لله والوطن لا غير، جيش يكون سنداً وحاميا للوطن والمواطن مشبعاً بحب الوطن وثوابته الوطنية وبوحدته، جيش وأمن يكون قوامهما من كل البلاد وكل منطقة ومحافظة ومدينة وعزلة وقرية، لا يكون محصوراً بقبيلة أو أسرة بعينها، ولا فيه خطر على أحد أبداً إلا وفقا للدستور والقانون ، جيشا يتشكل من كل أبناء الوطن دون تمييز وليس محصوراً بقبيلة فلان أو علان .. ولا غرابة أن تلقى القرارات الأخيرة بإعادة هيكلة القوات المسلحة كل ذلك الترحيب والتأييد المطلق والإشادة من كل القوى الوطنية وكل فئات الشعب، لأن الجميع رأوا في هذه القرارات بارقة أمل للخروج بالوطن والجيش إلى مرحلة الدولة المدنية، وإلى خلق جيش وطني يخدم الوطن ويحميه، لا يخشاه إلا الفاسدون والمفسدون في الأرض داخليا وخارجياً، فالجميع يتطلعون الآن إلى مرحلة التنفيذ لتلك القرارات التي ربما هي الأصعب في ظل تكوينات الجيش الحالية بتعدد ولاءاته، ولكن الثقة بالرئيس المنتخب بإجماع الشعب تعطينا الأمل والاطمئنان أن لا مستحيل ولا رجوع عن السير نحو المستقبل الواعد الوضاء.. فلا عودة إلى الخلف ولن يستطيع الأقزام أن يعيقوا مسيرة قطار الإرادة الشعبية نحو الدولة المدنية التي فيها وبها ستتحقق المساواة والعدالة والحكم المدني السليم الذي تسوده الحرية والديمقراطية الكاملة والنماء دون منغصات أو خوف أو وجل من أحد إلا من الله سبحانه وتعالى، وبهذه المناسبة أذكر باقتراح كنت قد أشرت إليه بل طالبت به في عدة مقالات سابقة عبر صحيفة الجمهورية الغراء ذلك الطلب هو أن تعيد السلطة وقيادة القوات المسلحة العمل وتفعيل قانون خدمة الدفاع الوطني، الذي أوقف العمل به الرئيس السابق لا لغرض نبيل وإنما لأنه رأى أن ذلك القانون لا يتلاءم مع توجهاته وما يريده هو وأعوانه من جيش مطلق ولاءه له وللمتنفذين من أعوانه كأمثال علي محسن الأحمر وغيره من كبار الضباط والمشايخ والوجاهات.. فذلك القانون الذي تورط الرئيس السابق بإصداره اكتشف أنه ليس في صالحه أبداً ولا يتلاءم مع توجهاته وطموحاته وأغراضه الخاصة فأوقف العمل به وجمده لأنه رأى أن استمرار تنفيذ القانون سيؤدي إلى خلخلة ولاء الجيش له ولأعوانه، وسيوحده بالولاء لله والوطن وهذا ما لا يريده الرئيس السابق وأعوانه، لأن ذلك القانون كان سينوع كل أفراد القوات المسلحة ولن يكونوا من قبل قبيلة معينة ولا مختارين من مناطق محددة، وإنما ستصبح تشكيلاتها من كل مناطق اليمن ومحافظاته ومدنه وعزله وقراه، وبالذات من عناصر شابة متعلمة ومثقفة وواعية، شباب وطلاب الثانوية العامة والجامعات الذين سينخرطون لأداء خدمة الدفاع الوطني، وهذا لم يكن يريده النظام السابق وأركانه فكان العمل منهم بطريقة (خربش الله ما خربش) كما يقولون في الأمثال الشعبية .. وعليه لا يسعني في الختام إلا أن أدعو الله أن يمد بالعون للرئيس عبد ربه منصور هادي ليكمل مهمته ويجنبه مغبة أعمال السوء التي تحاك للوطن وأن يوفقه في تنفيذ كل قراراته وبالذات ما تتعلق بإعادة هيكلة القوات المسلحة التي بها سنخرج من عنق الزجاجة وستكون مدخلاً واسعاً للحوار الوطني وفرجاً من كلما نحن فيه..