الكيان الصهيوني كما هو ديدنه وعاداته منذ نشأته وحتى الآن يقوم بكل أعماله الإجرامية مرتكنا دائما وأبدا على الدعم الأمريكي الغربي ألا محدود ، ثم على استسلام وخضوع وتخاذل الأنظمة العربية قديما وحديثا وعلى الانقسام العربي الحاصل وتآمراتهم على بعضهم البعض وكراهيتهم كل للآخر أعظم من كراهيتهم لإسرائيل ولمن يدعمها .. حتى عندما وجد في الواقع العربي ومضات مضيئة وفلتات نادرة لم يطفئها الغرب أو الحركة الصهيونية إلا بالفعل والتآمر العربي المهين كما حدث مع الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وعصره وكما حدث للشهيد الحر صدام حسين وعهده في العراق ، ولذلك فالكيان الصهيوني وهو يقدم على كل جرائمه السابقة منها واللاحقة يفعل ذلك بثقة مطلقة لا يخشى فيها أحد ولا أي رد فعل يأتيه من الأنظمة العربية وحكامها ليضع حد لصلفه وغطرسته .. وهو عندما أقدم أخيرا وحتى الآن في غزة على دمار وقتل للعشرات بل والمئات من المواطنين الفلسطينيين إنما هو كما أعتقد يهدف أولا إلى إرهاب المقاومة وإسكاتها التي لا زالت حية لم تهمد ولم تهجن بعد كما هجنت الأنظمة العربية وحكامها ، هذا أولا وثانيا أرادت أن تطلق بعدوانها بالون اختبار بما تصنعه في غزة ، لترى رد الفعل للأنظمة العربية الجديدة ( قشط ) التي أفرزها ما يسمى بالربيع العربي وثوراته الشبابية .. ومن خلال ما نتج حتى الآن عن الأنظمة العربية الجديدة من خطب رنانة وشجب وتنديد وتحركات مكوكية واجتماعات يجعلنا نعود لنكرر مقولة الزعيم العربي المصري سعد زغلول طيب الله ثراه ( ما فيش فائدة ) فالجمعة الجمعة والخطبة الخطبة ، فلا جديد في الساحة العربية ولن يزيد رد الفعل العربي من خلال الأنظمة العربية الجديدة عما كان يحصل في السابق أيام وزمان الأنظمة القديمة ، فلا فعل ولا قول يعيد للإنسان العربي كرامته وحقوقه وحريته ، فلا حشود عسكرية ولا مقاطعة اقتصادية شاملة ولا حتى قطع للعلاقات الدبلوماسية والسياسية ، ليس مع إسرائيل فقط وإنما مع كل الدول والقوى الاستكبارية في الغرب التي تدعم الكيان الصهيوني وتمونه بالمال الوفير والسلاح الحديث والمواقف السياسية في المحافل الدولية فإدانة إسرائيل خط أحمر لم نكن نستغرب حدوثه ولا نندهش له في ظل تلك الأنظمة العربي القديمة وحكامها كأمثال مبارك وبن علي وأمثالهم ، ولكن الذي يرفع الضغط حتى أعلى درجاته لكل مواطن عربي هو أن يكتشف أن الأنظمة العربية التي أفرزتها ثورات الربيع العربي صورة لعملة واحدة لمن سبقها ، وأن الغرب بزعامة أمريكا لم يسكت ولم يصهين عن كل الأحداث التي حصلت في ثورات الربيع العربي إلا لأنهم قد ضمنوا مسبقا بأن لا تمس إسرائيل ولا مصالحهم بأي سوء أو ضرر .. وأنهم قد ضمنوا أمن إسرائيل كخط أحمر لا يتجاوزه أحد ، قبل أن تكون ثورات ما سمي بالربيع العربي ، والدليل أنه حتى الآن لم يحدث أي تغيير أو تعديل في السياسة الخارجية للأنظمة الجديدة ، فهم قد تركوا الحال على ما هو عليه ، ووجهوا إهتماماتهم نحو قضية حجاب المرأة و الدفاع عن زواج الفتيات الصغيرات وتعدد الزوجات وحبذا لو يسمح بالزواج بثمان عشر امرأة كما يحلل ذلك أحد المذاهب الشيعية .. فالإسلاميون الذين شغلونا ليل ونهار بمعاداة اليهود والنصارى والهتاف بسقوط أمريكا والغرب الكافر منادين بإعلاء كلمة الإسلام وروحه حولوا جهادهم إلى الداخل في بلدانهم وركزوه ضد اللبراليين أو ما يسمونهم بالعلمانيين فقط ، فأصبح جهادهم محصورا بذلك وتناسوا مجاهدة اليهود والصهاينة الذين يسومون العرب والمسلمين سوء العذاب بالقتل والتشريد ، معتبرين ما تعمله وتصنعه إسرائيل وما ترتكبه أمريكا ضد الإسلام والمسلمين محنة يجب تحملها والصبر عليها كسباً للأجر. فما يهم الحكام العرب الجدد قشط جدا هو السيطرة على السلطة وأن يفرضوا أجندتهم التي تهدف العودة للخلافة الإسلامية وليس الخلافة الراشدة أو خلافة الأمويين والعصر الأول للخلافة العباسية ، وإنما يريدون بنا العودة ألف عام إلى عصر الحريم والعبيد والإماء ، يريدون خلافة يكون رجالها وأداتها ،وعصر يسود فيه الجهل والضلال يفرضون فيه على الإنسان العربي المسلم قناعة تامة بأن كل جديد بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، ومن تلك البدع التي لا يحبذونها إلا على مضض حكاية الدستور والانتخابات والديمقراطية وما شابهاها. وقد لا نفاجأ إذا سمعنا منهم مستقبلا فتاوى بتحريم كل وسائل التقنية الحديثة ، بحكم أنها بدع من بدع الشيطان ومن ذلك كل الأسلحة الحديثة وحصر امتلاكها بيدهم فقط على أنهم السلطة أو حماة الإسلام ولتوجه ليس ضد الأعداء للأمة ولكن لحماية أنفسهم من أي تمرد شعبي،أما الجيوش وعامة الشعب فيكفيهم السيف والرمح والنبل أسلحة فجر الإسلام وفيها المنعة أمام كل سلاح جديد حديث بدعواتهم ومعجزاتهم .. وإلا لماذا لم يقفوا حتى الآن الموقف الإسلامي الصحيح الذي يتطلب موقفا حازما صلبا تجاه صلف وغطرسة إسرائيل ، وذلك دعما غير محدود للمقاومة العربية في موقع وأي مكان على الساحة العربية الإسلامية ، فيتجسد ذلك بتوحيد الرأي والكلمة والمواقف وتسخير كل الإمكانات عسكريا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا لصالح القضايا العربية الفلسطينية وغيرها في العراق وسوريا وفي كل الأرض العربية ورفد كل ذلك بخلق تكامل تام في كل الجوانب بين الشعوب العربية وأنظمتها ، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بما في ذلك النفط ومشتقاته ، لتستغني الشعوب عن كل منتجات الغرب الصهيوني وأسلحته أيضا ، فبذلك سيكون الرد الفعال والحازم الحاسم تجاه كل غطرسة إسرائيل ومن يقف معها ويدعمها .. أما الركون على مواقف الآخرين كتركيا وإيران وغيرهما فذلك ضحك على الدقون وسخرية بعقول كل الشعوب العربية والإسلامية ، ذلك لأن من لا زال حتى الآن يقيم علاقة ودية جدا دبلوماسية وسياسية وعسكرية واقتصادية مع الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون صادقا في مواقفه تجاه القضية العربية ، بل بالعكس من ذلك ربما يكون خطر أشد على العرب ووسيلة إلهاء ومغالطة و إحباط للأنظمة العربية وحكامها وشعوبها عن اتخاذ أي موقف يضر أو يسيء للكيان الصهيوني ، وما حدث أخيرا من اجتماعات وتحركات وبيانات لا تدل إلا عن عبط واستهبال ، وعن مخطط هدفه إعاقة أي رد فعل جاد قد تقدم عليه الأنظمة العربية الجديدة .. ولا نعلم متى سنخرج من عنق الزجاجة ونفيق ونصحوا للواقع المزري الذي يريده لنا الأعداء ومتى سنكون أصحاب الفعل والقرار بدلا من استيراده أو استلهامه من اسطنبول أو قم أو من واشنطن وغيرها ، ويظهر أن الواقع والضرورة يحتمان على أنه لا بد من ثورات أخرى وربيع آخر لا تهتبلها وتستولي عليها الأحزاب أو الحركات السياسية التي أكل عليها الدهر وشرب والتي لم نحقق معها وفي ظلها أي نجاح ولا أي تقدم لصالح قضايانا وطموحاتنا في الحرية والديمقراطية والدولة المدنية وقهر أعداءنا ، فحالنا ينطبق عليه قول الشاعر ( ياقافلة عاد المراحل طوال.. وعاد وجه الليل عابس ) ولا أمل بحكام يساومون أعداء الأمة بقضاياها حرصا على السلطة ومطامعها .. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467936649912082&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater