أخذت كلمة الحب معاني مختلفة، فمنهم من ينظر إليها من منظور منغلق عن روح العصر معتبرها كلمة بذيئة تنم عن انحراف أخلاقي وقيمي وبعد عن تعاليم الدين والعادات والتقاليد المتوارثة، في حين يرى آخرون بأن الحب يعني ممارسة الجنس ولو كانت هذه الممارسة عبثية ودون أن يكون بين من يدعون الحب علاقة شرعية. ولعل الرؤيتين السابقتين أفقدتا الحب أجمل ما فيه من روعة ونقاء وتضحية من أجل المحبوب ، فليس حراما ولا عيبا أن نحب ولكن المنظور الذي ننظر به إلى الحب هو الذي يحول الحب إلى وسيلة إما للاستغلال أو الإساءة للآخر باسم الحب. فالحب أسمى قيمة في الوجود بل هو الوجود ذاته، فبدون أن نحب وننحب لا يكون لحياتنا معنى يذكر، فكم من متزوجين لم يعرفوا معنى الحب وكم من عزاب يعيشون حالات حب ولا يتمكنون من الزواج لسبب أو لآخر. فكم من عشاق ومن أكتوى بنار الحب ألفوا الكتب والأشعار والأغاني التي تمجد الحب وتسمو به إلى أعلى المراتب لدرجة التقديس لدرجة أن هناك آلهة يطلق عليها آلهة الحب. وتحول الحب الحقيقي مع مرور الوقت إلى حب مستحيل أو حب غير واقعي فتراثنا العربي وحتى جزء من التراث الغربي في الحب يصور المحب سواء كان رجلا أو امرأة بأنه إنسان غير طبيعي ، ومتمرد على الواقع بل وأحيانا منحرف. ولعل الأخطر من ذلك تحول الحب الحقيقي إلى حب عذري أو رومانسي حالم ، لا علاقة له بواقع الحياة ، يجعل المحبين يحلمون بعالم مثالي لا وجود له ، وكلما فاقوا من هذا الحلم ارتطموا بصخرة الواقع الصلدة وتهشمت رؤوسهم ، وسالت دماؤهم الطاهرة على تلك الصخور النتنة. فالحب الحقيقي في نظري يأتي دون سابق إنذار حيث ينجذب كل طرف للطرف الآخر كالمغناطيس، ويشعر كل منهما أنه من الصعب أن يستغني عنه نصفه الآخر، ولا يمكن للحب الحقيقي أن ينتهي مع الزمن إلا إذا كان أحد طرفي العلاقة يمثل الحب. الحب الحقيقي لا يرتبط بمصلحة بمجرد أن تتحقق يذهب صاحب المصلحة في حال سبيله ، الحب الحقيقي هو الذي ينمو مع الزمن وبحاجة إلى رعاية إنه كالشجرة التي تحتاج إلى الماء حتى لا تذبل ثم تموت. فمثلا هناك امرأة أحبها رجل وهما في سن الشباب حبا حقيقيا ولكن حالت الظروف الاجتماعية القاسية والظالمة دون أن يرتبطا ، ولم يتمكنا من الدفاع عن حبهما، وتزوج كل منهما زواجة عادية لا علاقة للحب بها من قريب أو بعيد. ورغم مرور الآيام وتعاقب السنين إلا أن كل واحد منهما ظل يحلم بالآخر دون أن تتاح فرصة لأن يلتقوا ، فقد كان كل واحد منهما يحافظ على سمعة الآخر ، ولا يريد أن يحطم حياته. أنجبت المرأة وبعد أن كبر أولادها تزوجوا وتوفى زوجها فجأة ، سمع حبيبها القديم الجديد بالخبر وأسرع بلهفة وكأن الليلة أشبه بالبارحة – يطرق بابها فتفتح له وكلها اندهاش لأنها كانت تفكر به من لحظات قلائل وتتمنى وجوده وخاصة بعد أن أصبحت وحيدة إلا من ذكريات حبيبها. كان حبيبها يسلم عليها بيد مرتعشة وكأنه شاب مراهق وهي تنظر إليه ووجنتيها تحمر خجلا ويداها باردتان من شدة الخوف وقلبها يخفق بشدة وهو أيضا ينظر إليها منبهرا بها وكأنها ملكة جمال رغم أن جمالها متواضع والشيب بدأ يغزو شعرها الأملس. سحب يده من يدها بهدوء ثم قال لها سأعود حالا كمن ذكر شيئا مهما، وما هي إلا ساعة زمن حتى جاءها هو والقاضي وأثنان من الشهود ليعقد عليها ، نظرت إليه بعيناها التي تتألق فرحا ، ووجهها الذي بدأ يشرق حياة وهي تقول : أخيرا يا حبيبي سنعيش. نظر إليها حبيبها وقال بصوت ممزوج بالحنين: نعم اليوم عيد ميلادنا الحقيقي، بعد اليوم لن نشعر بالملل ولا بالكآبة، لأن الحب طاقة متجددة فينا لا تنضب مع الزمن. وهناك حكايات واقعية للحب الحقيقي مازلنا نحاول أن ننزع الغطاء عنها ، وننشرها على الملأ ، كي نؤكد لهم بأن الحب الحقيقي هو رباط روحي قبل أن يكون جسدي بين رجل وامرأة. ولا يمكن أن نعتبر الحب من طرف واحد حباً حقيقياً بل هو حب مرضي واهم. لذلك حين يجد أي منا الشخص حبيبه ، وتتلاقى روحيهما ، فلنتمسك به بكل قوانا طالما تأكد لنا بأنه حب حقيقي وليس زائفاً أو وقتياً. وسأنتظر أعزائي قصص الحب الحقيقية التي ستمدونني بها كي يتأكد لنا بأن الحب الحقيقي مازال حيا فينا. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك