هل تمنحنا شوراعنا شيئاً سوى البؤس وسكين تذبحنا من الوجع إلى الوجع..؟ أي مآسي هذه التي تتبعثر على أرصفة حياتنا، أحالها التكرار إلى مشاهد لا تعني للكثير منا شيئاً..؟! مازلت أتمنى لو أستبدل قلبي هذا بقطعة بلاستيك تمارس عملها في ضخ الدم البارد في عروقي لأعيش فقط.. لماذا يجب عليّ أن أقرأ في عيون المتشردين والمتسولين، وأطفال الشوارع والنساء اللواتي يقفن على أعتاب رجال لا ترحم، صيروا أجسادهن بلا حرمة، يجب أن تتجول أيديهم على خارطتها، قبل أن تمنحهن بضعة قروش لا تكفي لشراء رغيف واحد، لماذا عليّ أن أقرأ فيها أحلام الشبع والدفء والأمان..!؟ لماذا يجب أن يقف طفل في الخامسة على نافذة سيارة فارهة ليمد يده لطفل في عمره إما أن يعطيه أو يخبره بأن الله كريم، ويظل هو يتعقب بعينيه المشردتين تلك السيارة ويتساءل في نفسه لماذا لست أنا من يجلس جوار ذلك الرجل..؟ لماذا عليّ أن أكتب عن السياسة، وأنا أعلم أن الكلمات لا تؤثر في أهلها، وتظل وأوجاع المعدمين تخنقني ولا أكتب عنها؟. وهل أوجد المعدمون سوى السياسة وأهلها، وإلا كيف سيشعرون أنهم الأغنى والأقوى، والأصلح لكي يحكمون، والأحق لكي يعيشون ويتمتعون؟. هل يستطيع الساسة والمتنفذون أن يشعروا بوجودهم إن لم يمد متشرد يده لهم، وإن لم يقف طفل يتأمل بذخهم بانبهار، وإن لم تتفداهم النساء الجائعات؟. تتزاحم في مخيلتي الآن آلاف الصور التي مجبرة أن ألتقطها في ذهابي وإيابي، لايقطع تتابعها سوى سيارة سوداء بزجاج عاكس مكتوب على لافتتها (ه - س)، وأتخيل كيف صارت هذه السيارة التي يمكن بقيمتها أن تشبع أكثر من ألف أسرة، أو تستقر عشر أسر.!.كيف صارت ملكاً لشخص ما، على الرغم أن قيمتها عتقت من دماء وعرق هؤلاء المزروعين على الأرصفة.. أين هي ثروة الوطن الذي تسري حقوقه على الموجوعين، ويقوم بواجباته تجاه الفاسدين؟. لما يجب أن يخلص الجياع والمتجمدون برداً والمتشردون والمنتهكة حقوقهم وإنسانيتهم لوطن لم يخلص لهم؟ لم يجب أن نسميهم يمنيين على الرغم أن لليمن أبناء مقربين حد الالتحام بها؟ لماذا يفصل القانون على مقاسات مختلفة، يتجمل بها البعض ويتعرى بها الكثير؟. ماذا عن المواطنة المتساوية؟ ماذا عن وطن يتسع للجميع، ماذا عن الوطن الذي يستحقنا؟! في مرحلة بناء اليمن الجديد الذي راح ضحيته مئات الشباب، أتمنى أن تبتكر سياسة تردم فيها الهوة التي تفصل بين كبار القوم وصغارهم، فالوطن الذي يبنى على أوجاع ومآسي أبنائه ولا يتداركها، سرعان ما تتهاوى بنيانه وتسكنه الغربان.! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك