سيدتي.. تجيئين إليّ - كل مساء - من المسافات البعيدة، في رسالةٍ معطرة؛ مشقرة بالكاذي، ومخضبة بالمسك المعتّق. يتصاعد منكِ دخان البخور، المثير للعشق. أتنفسه بشوقٍ وشغف، فأدور في فلكك. أملأ منه رئتَي، فأغيب عن الوعي. كنتُ قد نسيت أن للدخان رائحةً أخرى، غير رائحة التبغ في أفواه النساء. النساءُ - هنا - يا سيدتي، لا يعرفن رائحة الحب المعطر. لا يعرفن إلا الرائحة الممتزجة برائحة العَرق، والتبغ والكحول.. رسالتك في صندوق بريدي، نجمٌ وهاج؛ يجوب سمائي، باحثاً عن روحي التائهةِ بين النساء المظلمات. سمائي واسعةٌ وعصية؛ ونجمك ماهرٌ وتقي. لابد أن يجد روحي، في كل مرة. وككل مرة، يمسح أرجاءها، بأناة العارف المختبر. يفتش فيها عن مواطن الظلام، فيفجر فيها ينابيع من النور، ويزرع حولها مصابيح، ويملؤها حرساً شديداً وشهباً.. رسالتك في صندوق بريدي، رسول هدى، لروحي الغارقةِ في الضلال. يدعوني رسولك فأسعى إليه. يستعيذُ بكِ فأرتعش، وتغادرني كل النساء. يُسَمّي بكِ فأنشرح، وأغوص في بحيرةٍ من نور. يقرأ ما تيسر منكِ فأخشع، وأجثو على ركبتَيّ وأبكي. وأبكي، وأبكي. يلامس روحي فتنساب هدياً إليك. سيدتي.. أجيءُ إليكِ - كل نهار - من المسافات البعيدة، في ذات الرسالةِ البالية، لكن بحلةٍ جديدة. أجيءُ حاملاً روحي التواقة للانعتاق نحو ملكوتك الطاهر. أجيءُ وأعرف، أن للطهارة - عندكِ - لوناً ذكورياً، عسير الوجود. أضع روحي بين يديك؛ لترَي، كم نجمك من الظلام محى، وكم ظلامٍ تبقى؛ ولترَي، كم رسولك من الضلالة هدى، وكم ضلالٍ تبقى. مباركةٌ أنتِ بين النساء؛ وأنا - في حضرتك - مختزَلٌ في ذنبٍ عظيم. لا أقوى على النظر إليك. وجِلاً أقف بين يديك. مثقلاً بأجساد النساء، وخطايا اللاحب. تعتريني رهبةُ قربك، فألهج باسمك وأستغفرك. أعري روحي، وأضعها على كرسي الاعتراف:.«لا حب قبلكِ، أعترف. لا حب بعدكِ، أعدك. طهريني يا سيدتي، ممن تقدم من النساء، ومَن منهن تأخر!». لن يستعصِ عليكِ ما تبقى مني، أعرف. لكنه الحب يا سيدتي، وأنا. أخاف عليّ منه، إذا أنا أكملتُه. وأخاف عليكِ مني، إذا أنتِ أتممتِني. فالطريق إلينا - بعدها - لا يمر إلا عبر الفناء. فهل ستفنين معي، كي نتّحد؟. *!دريسدن - ألمانيا