الأرض الخبيثة تحول المطر إلى وحل ومستنقعات.. والأرض الطيبة تحيل الغيث خيراً وسنابل وأغاني للرعاة وشبيبة نغم تهطل شوقاً للحياة وتطرب لها الغزلان والذئاب وتلين لها صخور الجبل وتشتاق لها (جراب) الوادي المهمهم بأهازيج اللقاءات المتأهبة للغروب .. وقديماً قال الفيلسوف المتصوف أبو حامد الغزالي: غزلت لهم غزلاً رقيقا فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي غير أن تكسير المغزل بمبرر انعدام الغزالين أو الفائدة الملموسة ليس حكمة ولا عطاءً كريماً لأن الحكمة النبوية تقول: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).. وهنا تتجلى العظمة النبوية بالإنسانية المزينة بالأمل الطاردة لكل بذور الأنانية... فالعطاء والإبداع والنور ينطلق من مصادره مثل الأنهار والشلالات دون اشتراط لأماكن الوقوع ومصبات الأنهار أو طلب الثمن أو (مبايعة) وشور وقول على مقابل.. الفائدة هنا تكمن في العطاء ذاته وفي المعروف نفسه ولا يمكن لرجال الحكمة أن يمسكوا حكمتهم لأن المستمعين لا يستحقونها أو لا يستوعبونها ولا لأصحاب المعروف أن يتوقفوا عن المعروف لأن من يشملهم المعروف أو بعضهم أشرار وخبثاء وناكرو جميل فالمعروف والحكمة لا تستثني أحداً ولا تنتقي مواقع الوقوع، إنها مثل الغيث لا ينتقي الأرض فيسقط على الجبل والوادي والهضاب وأمكنة المستنقعات دون تفريق .. فالمعروف والخير والحكمة والنصيحة حافزها في العطاء ذاته حيث العطاء من أجل العطاء والمعروف من أجل المعروف .. إنها فسائل الخلود التي نزرعها بينما الكون يتزلزل ويهرول نحو الفناء.. فلا تتوقف عن فعل الخير أو نشر المحبة والحكمة وصناعة المعروف، لأن هذا لا يروق لك أو هذا لايوافقك.. المعروف أو المنكر ليس إلا تعريفاً دقيقاً عن الذات و(كل إناء بما فيه ينضح). [email protected] رابط المقال على الفيس بوك