في ميادين المعسكرات طالما ردد بأعلى صوته النشيد الوطني ومفردات الفداء.. وها هو الآن يتردد على عيادات الأطباء ليرى فيها شفاءه.. المقدم فيصل البريهي طالما مثل حالة صدارة في أخلاقه ونبله وها هو الآن في صدارة مواجعه.. مرض تليف الكبد لم يكن سوى دخيلاً عليه بعد دخوله غرفة ضيقة سجن فيها بعد رفضه قصف الحصبة أثناء مراحل الثورة كونه كان قائد دبابات في قاعدة الديلمي.. رفضه لم يكن حالة امتناع فحسب بل صدح بعبارته التي يعرفها سجانوه.. لن أقصف منزل يشهد فيه أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. هو ضابط في القوات المسلحة وشاعر لا يجهله المشهد الأدبي كونه كان حاضراً فيه بكل ما يمتلك من بوح.. عل هذا الوطن تنبت على مآقيه زهرة لا يعرفها سوى المقهورين الذين يرون فيها حلمهم في بلد يضج بالنحيب. ثلاثة وعشرون سنة في خدمة الوطن.. لم يعني نفسه هذا الوطن حالة السؤال عنه باستثناء أمر صرف ثلاثمائة ألف ريال من قبل وزارة الثقافة بعد جهد سقطت ملامح شعراء المشهد وهم يتوسلون الحصول عليه لإنقاذ زميلهم وتعاوناً من قِبل الأستاذة هدى أبلان.. لكن سقوط ملامحهم استجداءً لم يكفي للحصول على ذلك المبلغ خصوصاً وقد رفض صندوق التراث أمر الصرف.. مردداً بأن المبلغ كبير. ليعود الشعراء وقيمتهم كقيمة هذا الوطن الذي أرخصه الساسة بعدما وجدوا أن غناهم في رخصه.. وحياتهم في موت مبدعيه؛ حتى لا تتكشف أقنعتهم من قبل هذه الفئة؛ فكان لهم أن جعلوا من المثقف لا يجيد الفكاك من واقعه المعيشي المضني حتى لا يقول حقيقته في زيفهم. وزارة ثقافة ليس فيها سوىتلك اللوحة التي تحمل مفردة ثقافة وإن بدا معناها يجف بعد رحيل خالد الرويشان. رغم هذا الأسى تتمنى الفناء وأنت ترى مبدعي البلد مبعدين.. ومثقفيها أيضاً. لم ينتظر الشاعر فيصل البريهي حتى يقرع جرس المعسكر لتأدية طابور الصباح.. بل باع كل ما يملك ليرى نفسَاً من حياته قبل أن تغرب شمسه.. متوجهاً إلى القاهرة.. وهو يلوك الندم.. مدركاً كم أن الساسة يمارسون ابتزازنا الأبدي بمفردة الوطن متجاهلين بأن الوطن هو الإنسان. رابط المقال على الفيس بوك