يراودني سؤال بين الحين والآخر هو كيف يكون شباب الثورة عقلاء وهم يحملون أنفسهم جريمة دار الرئاسة؟ لماذا يتحملون جريمة نفذها آخرون؟ لماذا لم يقرؤوا التاريخ جيداً ليتعلموا منه أن الباحثين على السلطة قد حولوا الشباب إلى حراب وفؤوس مسنونة وغابة من الخناجر والأحقاد؟ لماذا لم يقف هؤلاء الشباب للحظة واحدة أمام العقل ليتذكروا شعاراتهم المطالبة بالدولة المدنية قد تحولت إلى ظلام يطبق على ما كنا نسميه وطناً ألم يكتشفوا بعد أن الوطن أصبح وحيداً أمام صيحات الثأر المناطقية والقبلية والحزبية وأصبح مطية لعاثري الحظ ومقبرة جائعة تلتهم النظام والقانون والأحلام متى سيعترف هؤلاء بأنهم كانوا مجرد ستائر واهية مطرزة بالأكاذيب لتغطية عري الفاسدين والحاقدين على هذا البلد. لقد تحالف هؤلاء مع جنرالات ورؤساء أحزاب فاشلين في السلم وفاشلين في الحرب. ولست بحاجة للقول أن الشباب الذين وصفوا أنفسهم بالثوار لم ينتصروا للتغيير ولا للدولة المدنية وإنما انتصروا للجماعات المسلحة التي انطلقت من عقالها لتفتك بالمؤسسات والأمن والاستقرار وتؤسس للطوائف التي تتلذذ بالدم. لقد كذب هؤلاء علينا وعلى أنفسهم. كذبوا حين تحدثوا عن دولة المؤسسات وحكم القانون والمساواة وكرامة المواطنين وها هو المواطن اليوم لا يجد أبسط الخدمات من كهرباء وصحة ومعيشة ومع ذلك لم نسمع ثائراً واحداً نصب خيمة من أجل حق المواطن في الحصول على الكهرباء. اكتشفنا أن هؤلاء لم يكونوا شباباً مستقلاً وإنما شباب متحزبون يناصرون المليشيات على حساب الجيش. وإذا كان لهؤلاء من إيجابية يمكن لهم الاحتفال بها هي خريطة الوطن الممزق الذي كان ذات يوم موحداً وها هو اليوم يقتسمه أمراء الحرب وتجار السلاح لم نحصد من ثورة هؤلاء سوى سقوط التعايش وسلمنا الوطن لهواة السلطة والمجازفين. ولست بحاجة لتذكيرهم بالشعارات التي رفعت يوم قالوا إن الحوثيين أنصار الثورة وأنهم قد تسامحوا مع الإصلاحيين فما رأيهم اليوم ببقاء الحوثيين بمفردهم في خيام الثورة. وأسألهم هل الثورة خيمة أم معرفة؟ فإذا قالوا خيمة فالحوثيون هم الثوار وإذا قالوا معرفة فمعنى ذلك أنهم كانوا يكذبون علينا إن ثورتهم فجرت الوطن تحت وطأة الظلم والفقر والتهميش إننا أمام مشاريع تفوق قدرة الوطن على الاحتمال ولكي أكون منصفاً أقول إن الشباب الذي خرج من أجل التغيير انسحب في منتصف الطريق حينما أدرك أن مطالبه ستكون بداية الحريق وأن الوطن سيدفع الثمن إذا وصل هواة السلطة ومنتجو الفساد إلى تحقيق مآربهم تحت مظلة الشباب ومطلب التغيير.. وأنا على ثقة بأن الوطن لم يكن ليندفع نحو الهاوية لو كان هؤلاء الشباب يتمتعون بحضور طبيعي في خارطة التغيير. لقد رفض هؤلاء الشباب دفع أثمان الصراع على السلطة، لكن شباب الجماعات الدينية استساغوا المغامرة والمقامرة والانزلاق إلى الهاوية ليعيدوا الوطن إلى كهوف العصور الوسطى. إن الفاعلين اليوم في المشهد السياسي هم الذين تحركوا باسم الشباب ليسقطوا الدولة بالضربة القاضية وأنهوا الهامش الديمقراطي، فلا قانون بعد اليوم ولا دستور ولا قدسية لهما. وارتاح القتلة وعصابة الفساد من المساءلة والمحاسبة وحتى من العتاب الرقيق، وراحوا يحيون الأفراح والليالي الملاح بانتصارهم الكبير على الشعب والوطن. أسقطت الدولة على يد من يسمون أنفسهم ثواراً ولم نر أحداً يظهر حزنه على غيابها أو تغيبها القسري، فالمشايخ يتجاوزونها بدستورها وقوانينها والأحزاب يخافون عدالتها حتى صارت يتيمة لا أهل لها يحمونها ويسلمون بمرجعيتها حتى صارت هيكلاً، ومؤتمر الحوار مشكل من دهاة وقاصرين وأتباع. أما الجيش فقد ترك لقدره يواجه التفكيك لصالح كل أنواع الأصوليات، والأجهزة الأمنية تلوك سيرة قادتها لشدة فسادها. هيكل دولة تتقاسمه أحزاب الأزمة وتتلاعب فيه مراكز القوى من أجل مصالحها وليس مصلحة الوطن. نزاعات مسلحة في مارب وتعز وحضرموت وعدن والبيضاء وأبين، وتورط أطراف عدة في الحرب الدائرة على الوطن.. وفي الواقع فإن الشعارات الوطنية المرفوعة لا تصمد أمام وضوح الارتباط بمصالح إقليمية أصبحت تسيطر على الوطن بكامله. هناك دول كبرى ودول تنفخ حجمها حتى تصير كبرى. لقد باتت القوى الإقليمية محرضة على النزعة الطائفية التي تزداد وضوحاً على خارطة التحالفات لذلك أقول إن الذين رفعوا شعار الثورة من الشباب ثم تركوا أصحاب المصالح الخاصة يتقاسمون هذه المصالح فيما بينهم يكونوا قد دفعوا بالبلد إلى صراع طويل يصعب حسم نتائجه في المدى المنظور، أو على الأقل يمكن القول أنهم أسسوا لعنف متبادل لا يمكن من السهل احتواؤه. إن المبادرة الخليجية كتسوية تاريخية ومؤتمر الحوار كتسوية ظرفية مكملة لم تعودا قادرتين على ضبط الصراع المناطقي والطائفي على السلطة. ولن يكون في اليمن أمام حجم العنف المناطقي والمذهبي وانبعاث كل العصبيات احتمال للتسوية السياسية خاصة وأن الصراع الإقليمي صار مكشوفاً وهو صراع ليس معزولاً عن واقع الانقسام المناطقي والطائفي.. فهل يعتذر الشباب عن كل ما فعلوه!! رابط المقال على الفيس بوك