منذ فترة طفولتنا لم نشهد أو نلحظ واقعاً مراً وأليماً ومحزناً كالذي نعيشه في وقتنا الراهن فالكبير والصغير في حيرة من الأمر، فقد يكون من الأمور الذي قادت إلى هذا الوضع تعدد وتنوع الفوارق بين طبقات المجتمع في ظل النمو المتسارع لعدد السكان ومستلزمات ذلك النمو في مختلف مجالات الحياة وما تستدعيه معطيات تلك الاحتياجات من صراعات طالت المجتمعات وتدرجت لتطال الأسرة بأفرادها. ولعل نظرة فاحصة في واقعنا المليء بالمتناقضات والذي يدل بأن معظمها دخيل على مجتمعنا بفعل عوامل عديدة من أبرزها التأثر بما حولنا سلباً أكثر منه إيجابياً ، بجملة المثل والقيم النبيلة للمجتمع اليمني الذي وصفه سيد المرسلين (بالحكيم) إذ إن المجتمع اليمني اتصف عبر التاريخ بالتميز في كل شيء وصار يضرب به أروع الأمثلة في الطيبة والسماحة وفي الحرية ورفض الظلم وفي الأخوة والتراحم وفي الرأفة فكان مجتمعاً سامياً. لكن ما الذي أصاب مجتمعنا حتى وصل الحال إلى ما نحن عليه اليوم؟ إذ لم تعد الحكمة مكتملة.. ولم تعد صفة التسامح ماثلة.. لماذا تعمقت ثقافة الكراهية وحب الذات.. لماذا صار هاجس التفكك الأسري يلازم الكثير من أفراد مجتمعنا لماذا طغت المصالح الضيقة والذاتية والحزبية على المصالح العامة على مصلحة الوطن، وأين نحن من وصف سيد البشرية لليمنيين بأنهم ألين قلوباً وأرق أفئدة. إننا فعلاً أمام غول مرعب ولابد لنا كل من موقعه من استشعار حجم الضرر الذي لحق بالمجتمع وبالوطن ولا بد لنا من النأي بأنفسنا ووطننا مما آلت إليه الأوضاع عما دوننا من مجتمعات أو أوطان بدأت تتمزق وتنهار وتهدد كياناتها بين آونة وأخرى بفواجع وكوارث لا يمكن لها تجاوزها أو الخروج منها حتى ولو دفعت ثمناً غالياً. إن المطلوب اليوم من حملة سلاح الكلمة من أبناء هذا الوطن أن يدركوا قبل غيرهم أن واجبهم الوطني والديني والأخلاقي والإنساني يفرض عليهم النأي بأقلامهم ورؤاهم عما قد يزيد من عمق الجروح الغائرة في جسد المجتمع والوطن وان يكون حب الوطن وثقافة الحوار والتسامح القاعدة المرتكزة لأي تناول.. كما أنه يجب على العلماء والمفكرين ورجال الدين والوعاظ والمرشدين أن يفيقوا ويهبوا من غفوتهم وكبوتهم وأن يدركوا حجم مسئوليتهم في تجنب البلاد والعباد ما يحاك من مؤامرات ودسائس فاليمن اليوم أمانة في أعناقنا جميعاً. ومن الأمانة أن نجمع ولا نفرق أن نصلح ولا نخرب أن نتقي الله في أنفسنا وفي مجتمعنا وفي وطننا. فالمؤامرات التي تزداد يوماً بعد يوم إذا لم نتدارك أخطارها اليوم فإننا سوف نكون أقل قدرة عليها في الغد. والله يا إخواني إن الوطن والمجتمع أمام كارثة كبيرة.. فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، ورفقاً.. رفقاً بالوطن فسلامته أمانة في أعناقنا جميعاً.