ليس من قبيل التزلف ولا من قبيل الإشفاق أو اعتساف المعاني لإرضاء رغبة ذاتية في الكتابة ولكنه إحساس داخلي تجاه وطن وتجاه شعب تنازعته الخلافات وتناوشته الاختلافات.. وكان الله ان قيض لدى اليمانيين بعض حكمة مما افتقدوه خلال سنوات مضت قضاها اليمنيون في مماحكات لها بداية وليس لها نهاية. تلك الحكمة أو بقايا الحكمة انهم ارتضوا وقبلوا وانصاعوا بأن يكون رجلا معروفا وغير معروف قائدا لسفينة الأمان.. معروفا بحنكته وحضوره وبساطته وصدقه واختبرته المراحل وواجه من التحديات الجانبية ما يجعله أصلب وأشد الرجال ينوء بحمله وينكسر من نتائجه.. وغير معروف في شراك وفخاخ وأحابيل السياسة التي ما حملت إلينا إلا كل موبوء وموتور ومنبوذ.. وهو حقل من الدهاليز والدوامات والمتاهات التي يربأ الإنسان أن يدخل إليها بملء إرادته وكامل رغبته. عبدربه منصور هادي القيادي العسكري الذي اكتسب صفة الفروسية من دراساته العسكرية العديدة بدءا من : (سانت هيرت) في بلد الضباب بريطانيا ..إلى : (فلورنسا) في بلد الثلوج روسيا.. الرجل لم يتلوث حتى في صراع الأخوة في 13 يناير 1986م في عدن حيث كان بعيدا قدر المستطاع.. هذا الرجل عبدربه منصور هادي ..ابن أبين وابن دثينة..ما كان يظن انه سيتحمل كل هذا العبء ويقحم في هذه الأمانة التاريخية والإنسانية والوطنية.. وعندما اختارته اللحظة.. وانتدبته المرحلة.. حزم أمره وتوكل على الله.. لم يرد السلطة.. حتى عندما شغل منصب نائب الرئيس.. حينها فضل وآثر ان يبقى في الظل.. أو ربما لم يرد (سلفه)الرئيس السابق ذلك ..إذ قد يكون قرأ في عينيه نبوغا وصلابة إرادة ومقدرة على اقتحام مجاهل القيادة., ومنذ اكثر من عام توج الشعب هادي حاديا لمسيرة من أصعب المراحل وأشدها ضراوة وأكثرها رواغا.. وكل من اختار هادي كان يمسك على قلبه.. ويسأل :أبمقدور هذا الرجل الذي كان يطلق عليه رجل الظل أن يدير الشأن السياسي وأن يمسك بزمام (جحافل) النفوذ المتفرعنة؟..ولا يملك المرء إلا ان يدعو له بالتوفيق.ولكن الرجل اثبت مقدرة غير مسبوقة في الإمساك بأطراف ( خيوط اللعبة ) رغم أنها كانت شديدة التشابك وكثيرة التعقيد.. وحقق شيئا من النجاح.. وواجه كثيرا من الإحباطات والعثرات.. لكنه مستمر.. رغم كثافة معيقي المسار الذي أخططه من اجل إخراج اليمن مما هو فيه.في خطابه الذي القاه الأسبوع الماضي في اللقاء الموسع لقادة الجيش حرص على أن يبدو بكامل صلابته وقوته وأراد ان يقول للجميع سواء لقادة الجيش أو للسياسيين انه ممسك بزمام السيطرة وانه قادر على أن تبقى المعادلة السياسية وفق ما حدده وشارك فيها المجتمع اليمني والمجتمعان الإقليمي والدولي.. ولكني شعرت أن الرجل أراد أن يقول: أنا أريد للشعب اليمني أن يخرج من معاناته.. أريد للمواطن ان يشعر أن التغيير جاء لصالحه.. فيما آخرون وهم قلة لا يريدون غير تصعيب الأمور ولا يسعون إلا لتعكير الأجواء ولتوزيع الأزمات والمنغصات على اكبر مساحة جغرافية وسكانية في اليمن شماله وجنوبه.. شرقه وغربه.. سعيا منهم إلى تهيئة النفوس لإعادة إنتاج انفسهم وإعادة أسلوبهم التدميري في الحكم وتسويقه في الانتخابات القادمة. الرئيس هادي لا يبدو انه حريص على السلطة وقد اثبت انه زاهد في الحكم ومع ذلك هناك كثيرون يستفزونه بالمطالبة بعدم التمديد وإشاعة أخبار عارية عن الصحة لأن مصالحهم تقتضي ذلك ..ومثل هؤلاء سبق ان أشار اليهم مفكر اليمن الدكتور عبدالعزيز المقالح أطال الله في عمره وفضح تصرفاتهم في مقال نشره مؤخرا في جريدة الثورة بعنوان :قراءة في حكمة لبنانية حيث قال: (...ولكي لا يذهب المعنى الكبير لهذه الحكمة أدراج الرياح أتمنى أن نعيد نحن في هذه البلاد قراءتها جيداً، وأن نكرر التأمل في مدلولاتها فنحن أحوج من غيرنا، وفي هذه الظروف المثقلة بالأوجاع خاصة، ولاسيما بعد أن تكشفت أبعاد أزمتنا السياسية وتجسدت لكل ذي عقل وضمير في كونها منذ البداية وحتى النهاية تقوم على أسباب ناتجة عن احتكار السلطة لفئة دون الآخرين، وأن كل فئة تأتي في أعقاب الفئة السابقة تكرر الأسلوب ذاته وتحرص على أن تسير وفق نهجها المرفوض غير مستفيدة من التجارب ولا ملقية أدنى اهتمام للمتغيرات والتطورات الفكرية والاجتماعية. وأحلم بأنه صار على بلادنا الآن أن تبدأ من الموقف الصحيح ومن الاعتراف بأنه ليس في إمكان حزب أو جماعة أو فئة التحكم بمصائر الغالبية أو مواصلة عمليات الاستحواذ والإقصاء، وأن يتذكر الذين يحكمون أن السلطة لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم، وأن التبادل السلمي للسلطة هو نهج إيماني خالد حددت معانيه الكبيرة الآية الكريمة (وتلك الأيام نداولها بين الناس )انتهى.. بقي ان نقول: انه في زحام اللحظة.. وفي غمار الأسئلة وما أكثرها.. ونقصد أسئلة الراهن في بلدنا الذي يمر فيه الحوار وهي أسئلة لها بدايات ولكنها تحتار في نهاياتها أننا سنصل إلى شاطئ الأمان و من أمام هذا الكم الهائل من الأسئلة يطل الأمل ويبقى الضوء الذي ينتظره السائرون في النفق الذي أراد له البعض ان يطول وأن يكون أكثر إعتاما..! سيزيف هو ذلك الرجل الذي اجبر على حمل حجر كبير والصعود به إلى قمة الجبل وكلما اقترب من الوصول إلى القمة يتم منعه فيعود بالحجر إلى الأسفل.. وهذا ما يريده المعرقلون لإخراج اليمن من محنته حيث يمنعون الرئيس هادي من الوصول باليمن إلى بر الأمان! رابط المقال على الفيس بوك