يواصل مجلس النواب عرضه الهزلي البائس بمختلف فرقائه، حضوراً ومقاطعة، بحسب اصطفافات وحسابات ما بعد التسوية. مؤسف أن تعلق على هكذا مجلس كثير من القضايا الحساسة التي يتعامل معها المعنيون بقدر كبير من الخفة وانعدام المسؤولية ، ليصبح بأدائه الهزيل عقدة بحاجةٍ إلى حلٍّ ومداراة، عوضاً عن إكمال إخراج بعض القضايا الجوهرية المرتبطة به كلياً، في ظل غياب بديل تشريعي يتولى انجاز تلك المهام. واليوم يجتمع الرئيس بأعضاء مجلس النواب، على أمل وضع حدٍّ لتلك المهزلة التي وصل إليها المجلس ، الذي زادته الانقسامات -في مرحلة التوافق المفترضة- إعاقة اضافية، وأتمنى أن يحضر على أولوية المجتمعين موضوعٌ غاية في الاهمية والالحاح، يتمثل في سد الفراغ التشريعي الحاصل في السلطة القضائية. أواخر مايو الماضي، صدر حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بإبطال 34 مادة في قانون السلطة القضائية، لترفع بموجبها يد السلطة التنفيذية المتدخلة في أهم مفاصل القضاء الذي يفترض به الارتكاز على الاستقلالية المالية والادارية، ضماناً لنزاهته وإعمال مبدأ المساواة بين المتخاصمين. استقلال القضاء هو اساسٌ ضامنٌ للدولة المدنية، وصمام أمانها، وحامي الحقوق والحريات.. مثّل الحكم ثورة حقيقية في عالم القضاء، وبحسب القاضي الشاب أحمد الذبحاني، أحد المترافعين في القضية، فإن الحكم يعتبر بداية حقيقية لتحرر القضاء من تدخلات السياسة ونفوذها عليه، وتحقق للقضاء استقلاله بنسبة 80 %، ولم يتبقّ سوى القليل لانجاز أحد أهم أهداف الثورة الشبابية. لم يتعاط المعنيون مع الحكم بشكل يرقى لمستوى أهميته، التي اختصرت فصولاً كثيرة على أعضاء مؤتمر الحوار لتحديد أسس ومبادئ استقلال القضاء، وبقيت فقط هيكلته تبعاً لشكل الدولة التي سيقررها اجماع المتحاورين. لكن القضاء، باعتباره سلطة مستقلة تمثل العمود الفقري للدولة، وضامناً لحقوق ومصالح المواطنين، يحل هامشاً في أجندة صناع القرار والأحزاب السياسية التي ما فتئت تؤكد على استقلاليته، لكنها تغيّبه كثيراً في أجندة اولوياتها.. أشك في انهم يعون أن مشكلة القضاء تمس مصالح الجميع دون استثناء، وأنه ملكٌ للجميع وليس القضاة أو مجلسهم، أو تعني منتداهم الهاجع في سباتٍ طويلٍ منذ أمدٍ بعيد. لو كانوا يدركون ذلك لكان الجميع قد تنادوا بلجان قانونية متخصصة –فعلاً- لدراسة تبعات الحكم الدستوري، وتجنب أي فراغ في التشريع كأثر وارد لمقتضى الحكم الذي نزع صلاحيات وزير العدل وسلطته على القضاء، ولم يكن بديلاً للمشرع ليوجه دفّتها باتجاهٍ آخر. عدم سد الفراغ التشريعي في قانون السلطة القضائية، ينذر بكارثة على عشرات بل مئات الآلاف من اليمنيين، بمن فيهم القضاة، الذين سيباشرون عملهم بعد انتهاء الاجازة القضائية في ظل فراغ تشريعي يمس صميم عملهم، ويشكك في مشروعية ما يصدر عنهم، في ظل فراغ واهتزاز القانون المنظم لذلك. يضاف إلى ذلك معضلات مهولة يعانيها السلك القضائي، وصلت حد انتهاك حصانة القضاة واعضاء النيابات، بالاعتداء عليهم بشكل وحشيٍّ ، دون أدنى تحرك جاد لضبط المعتدين ومحاكمتهم، فضلاً عن ضعف بينتهم التحتية، ووضعهم المادي الذي يضمن استقلاليتهم، وقد يكون مبعثاً للأسى أن 114 محكمه تعمل بمبانٍ مستأجرة، فيما لا يوجد مبنىً مستقل للمحكمة العليا ولا للتفتيش القضائي، وتعمل محكمة استئناف العاصمة في مبني غير مؤهل لا يليق بأدنى منشأة او مكتبٍ حكومي، وهذا هو حال عشرات المحاكم حيث تتكدس آلاف القضايا لسنوات، في ظل عدد محدود للغاية من القضاة والامكانيات. تحدٍ رئيسي كبير أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية ومهمة جسيمة وعاجلة لا تقبل المراوحة والتأجيل والمزايدة، تتمثل في سد الفراغ التشريعي القائم في قانون السلطة القضائية، والطريق الاقصر لذلك هو إحالة مشروع التعديلات عبر رئيس الجمهورية كما فعل بتعديل قانون الانتخابات قبل أيام، أو عبر وزارة الشؤون القانونية، ومصادقة الحكومة عليها، وإحالتها لمجلس النواب، بعيداً عن أي حسابات أخرى متعلقة بالصراع الدائر حالياً، إذ أن مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.. ينبغي الشروع فوراً في هذا الاجراء وانجازه في اسرع وقت ممكن، بما ينسجم مع روح ومقتضى الحكم الذي يعتبر إطاراً عاماً ينبغي التقيد بحدوده عند إجراء التعديلات، لا ان يتم التحايل عليه، وسلقه وافراغه من مضمونه ومحتواه، وأي خروج عن مقتضى الحكم يعتبر مؤامرة على القضاء وهروباً من استقلاليته.. هي محطة اختبار حقيقية لمسؤولية فرقاء السلطة التشريعية، ستكشف بوضوح اولوياتهم، مصلحة الشعب ام حساباتهم ومعاركهم الخاصة.. وإن غداً لناظره قريب!! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك