تعيش كثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية حالة من الشلل أثناء الدوام الرسمي في شهر رمضان الكريم.. ومن قُدّر له أن يزور جهة حكومية لإكمال معاملة ما، يصطدم بحالة خمول تفرض تأجيل معاملته قسراً إلى بعد العيد، في ظاهرة سلبية تكشف غياب المسؤولية والالتزام. يتدهور الالتزام بالدوام، ومعه الأداء الرسمي تدريجياً منذ بداية شهر الصيام، بتأقلم الناس مع تغير أوقات النوم والسهر.. يبدأ الدوام “المفترض” عند العاشرة صباحاً، حتى الثالثة عصراً، لكن قليلون من يلتزمون بذلك.. فمن يحضر يتأخر الساعة والساعتين؛ ومع أذان الظهر، يُقرع جرس الانصراف بحجة الصلاة. ومن يجرؤ على الاعتراض على موظف أو مسؤول يغادر مكتبه لأداء الصلاة، التي يطول أمدها بلا رجعة أحياناً إلى اليوم التالي، تبعاً لرضاه عن نومه، أو تقبل مزاجه لمواصلة الدوام، وقضاء حوائج الناس. بالنسبة لآخرين، خصوصاً ذوي الكراسي الوثيرة، يصبح الدوام بالنسبة لهم، مجرد زيارة عابرة، قد تتأخر لعدة أيام، ويمرون -مثقلين بغبار الكسل والضجر- على معاملات يثير تراكمها تذمرهم، وكأنه لا شأن لهم في تكدسها، فينجزون بعضها خصوصاً تلك التي تحظى بالمعرفة أو الواسطة أو بتوصية ذوي الشأن من سلطة ووجاهة، وتؤجل البقية إلى حين مزاج مستقر. قطعاً، هذا لا يعني التعميم، إذ هناك موظفون ومسؤولون بمستويات مختلفة، يؤدون عملهم بتفانٍ وأمانة في رمضان أكثر من غيره، ومن يستشعر مسؤولية عمله، فإنه لا يتوانى عن أدائه بالصورة المثلى في أيٍّ من فصول السنة. وإذا كان أمرٌ كهذا مقبولاً لدى المعنيين في إطار ذات المؤسسات أو الوزارات، أو الجهات الرقابية على الدوام كوزارة الخدمة المدنية، فإن الأولى بها أن تعلن – تزامناً مع تحديد مواعيد وساعات الدوام الرسمي بحلول رمضان- أن الدولة في إجازة، باستثناء القضايا الطارئة والمستعجلة، تماماً كالقضاء.
في اليوم الأول للدوام الرسمي بعد إجازتي العيدين -الفطر والأضحى- تنتشر لجان الخدمة المدنية ومكاتبها في المحافظات للإشراف على مستوى الانضباط في المكاتب الحكومية.. يومها تظهر تلك اللجان في وسائل الإعلام الرسمية، وهي تلتقي الوزراء والمسؤولين والموظفين، وتتحدث تقاريرها عن مستوى انضباط وظيفي خيالي، لكأن ذلك ضامن للالتزام طوال السنة، أو يجُبُّ انعدامها طوال السنة. وإذا ما أراد موظف ما أن تصنفه الخدمة المدنية في خانة المثاليين، فما عليه سوى أن يتحمل مشقة الالتزام في يومين، وسيكون في فسحة انفلات من دوامه بقية السنة. عملٌ كهذا يبدو أقرب للدعائي الاستعراضي الفارغ، لا يقدم شيئاً للبلاد، ولا يرقى بكفاءة والتزام مؤسساتها، بل يكون مدعاة للتندر والعبث، لكأن وزارة الخدمة المدنية ومكاتبها لا تعمل هي الأخرى غير تلك الأيام الثلاثة، وليست معنية ببقية السنة. الانفلات من الوظيفة العامة يكلف البلاد خسائر طائلة ربما لا تلاحظ مباشرة، لكن تراكماتها، بما تمثله من تدهور الإنتاج، تقدر بمئات الملايين شهرياً. ينبغي أن تكون هناك استراتيجية ذات منهجية عملية للرقابة على أداء الأجهزة والمؤسسات الحكومية سواء في المركز أو المحافظات، تعمل على مدار السنة دونما مواسم معلومة بالضرورة، على أن تكون مفعّلة في إطار الدوائر الحكومية، دون الحاجة لانتظار سلطة المركز(الخدمة المدنية) الذي يحتاج بذاته إلى رقابة، وإن اقتضى الأمر استمرار إشراف ذلك المركز فليكن إشرافاً يرقى لمستوى التكامل وتعزيز الكفاءة والالتزام الدائم وليس الموسمي. أما العمل بذات الآلية المتخلفة المتبعة حالياً فلا يعني سوى مزيد من التخلف والتدهور في أداء أجهزة الدولة ومؤسساتها، وانحدارها نحو الفشل والانهيار، وتضييع مصالح البلاد والعباد. إجازة السبت بإقرار الحكومة -بشكل حاسم- السبت كراحة أسبوعية عوض الخميس ابتداءً من بعد انتهاء إجازة عيد الفطر، فإنها تكون قد أقدمت على خطوة جريئة ومتقدمة -وإن تأخرت كثيراً- تراعي مصالح البلاد والاستثمارات القائمة فيها، وليس مزاج العادة والتقاليد والوصاية القاصرة. خطوة كهذه، نتمنى أن تنعكس إيجاباً لصالح البلاد واقتصادها.. كذلك نتمنى أن ينال الخميس حظه من الرقابة على مستوى الأداء والانضباط طوال السنة، وليس كما جرت العادة، بمراقبة أول يوم خميس يداوم فيه موظفو الدولة بعد العيد. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك