ذهبت إلى سوق الخضار والفاكهة واللحوم في الرقاص القريب من سكني الجديد الكائن في الرباط كي اشتري ما أريده من هناك نهاية كل أسبوع ، وبعد أن انتقيت ما أريده بعناية وبينما كنت أفكر فيمن سيحمل الأكياس الثقيلة إلى الشارع الرئيسي حيث المواصلات إذا بطفل لا يتجاوز الحادية عشر من العمر يقف أمامي وهو يحرك عربته الصغيرة التي يستخدمها في نقل الخضار ويقول لي بأدب : أشيل لك يا خاله ، قلت له بدون تردد : نعم ، فقد كنت كمن لقيت لقية ، انفرجت أسارير الطفل الشيال وكأنه لقي كنزاً ، وأخذ الأكياس بلمح البصر ، ورتبهم على العربة ، وقال لي لو تريدي شيء آخر ، فكانت فرصة ذهبية لي ، وتذكرت بعض الأشياء الناقصة وأخذتها ، وهو يسحب العربة أمامي . وفي الطريق إلى البيت شدني فضولي الصحفي وسألت الطفل عن حاله فقلت له : أين تسكن ؟ ، رد بثقة : هناك في الرقاص معي غرفة صغيرة مستأجرها مع زميل ، وأردف بالقول : ومعي أيضا ثلاث عربات اشتغل بها في الصباح حتى قرب الظهر. وسألته : وهل تدرس ؟ ، رد بجزم : نعم أدرس في الصف الخامس ، قلت له رائع وأين مدرستك ؟ قال لي : في باب اليمن ، احترت وقلت له لماذا لا تدرس هنا في الرقاص ، رد على الفور : هنا أصحابي يعرفونني ، ومحرج لي ، لكن باب اليمن بعيد عن مكان عملي والمدرسة هناك أفضل وبعد الظهر. وبينما كنت منهمكة في الحديث معه مرت سيارة بالقرب منا كادت أن تصدمني فشدني بيده الصغيرة بقوة وهو يقول وكأنه رجل كبير قبل أيام أنقذت امرأة من الموت فهي زبونتي مثلك. شعرت براحة وبأمان مع هذا الطفل الشيال وكدت أحسده على راحة باله ، وصبره وحنكته ، كنت أحب معرفة المزيد عن شخصية هذا الطفل الشيال . فقلت له أين أبوك ؟ فرد بالقول : في الحديدة معه دكان صغير هناك . وكان لا يريدني أن أدرس ، كما أن المدرسة هناك فيها غش ، وشغلي هنا يجيب لي دخل لا بأس به ، وأحيانا ابعث لأبي مصروف. فتحت له شهية الحديث فأضاف قائلا : وأخي الأكبر يدرس في السعودية ولم يكمل دراسته ، بس أنا ناوي أكمل دراستي حتى لا أضطر للذهاب إلى السعودية هروب غير شرعي واتبهذل هناك .. وصلنا إلى جوار بيتي ، وكنت مشفقة عليه كيف سيحمل الحاجات الثقيلة إلى الدور الثالث فقال لي بحماس شديد : هل تريدي ماء كوثر من البقالة قلت اه نعم بس ثقيل عليك ، رد : ولا يهمك هذا شغلي. أوصل لي الحاجات إلى جوار شقتي فأعطيته ( 250 ) ريالا ففرح بها جدا ، وأعطاني رقم تلفونه إذا احتجت له في أي وقت ، سألته عن اسمه فقال لي : محمد ... ، ونسيت في الأسبوع الذي يليه أن اتصل به فذهبت لاشتري الخضار وبعد أن أكملت ما أريد إذا بي أجده أمامي يضع الحاجات فوق عربته دون أن يسألني. أليس هذا نموذج حي لطفل مكافح لم يعش طفولته البريئة ، ولم يتمتع بها كأقرانه من الأطفال وإن كان أفضل حالا من الأطفال المتسولين والمنحرفين. فمن يأخذ بيد هؤلاء الأطفال ؟ وأين المنظمات التي تدًعي بأنها تدافع عن حقوق الطفل المهدورة في بلادنا. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك