لم يكن هذا البلد بحاجة إلى جرح جديد ينخر في جسده , ولم يكن الشعب اليمني بحاجة إلى حروب ومعارك جديدة لتحصد أرواحهم وتريق دماءهم , فاليمن لديه من الجروح والأوجاع ما يكفيه , والشعب اليمني لديه من أدوات ووسائل الموت ما يكفي ويزيد , غير أن العقول المتحجرة والمتبلدة تصر على ذلك , وتتعمد إرهاق الوطن بصناعة المزيد من الأزمات والمعارك والحروب القذرة , لكي تعيش وتتمدد في نفوذها وتحصد الكثير من المكاسب والمصالح التي تعودت على تحقيقها عن طريق افتعال المشاكل والأزمات وصناعة الموت . ما يجري اليوم في صعدة من حرب واقتتال داخلي , بين طرفين من القوى التقليدية الدينية , لاشك انه ناتج بدرجة أساسية عن غياب الحكومة , وضعف أجهزتها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية وهشاشة سلطاتها المحلية , وعن غياب المشروع الوطني الجامع لمختلف أطياف ومكونات المجتمع , وعن فقدان طرفي الصراع لهويتهم الوطنية وانتمائهم وولائهم الوطني , وتمترسهم وراء مشاريع وهمية ذات أبعاد طائفية ومذهبية لا تسمن ولا تغني من جوع . وها نحن اليوم – اليمنيين – نقف مكتوفي الأيدي إزاء حرب طاحنة , تدور رحاها بين طرفين يدعي كل منهما انه الوكيل الحصري للسماء , لتضاف هذه الحرب إلى سجل حروبنا ومعاركنا السابقة , وهو السجل الحافل بالبطولات الوهمية الزائفة , لشعب يطحنه الجوع والفقر وبلد تحاصره الأزمات والمشاكل , والذي من خلاله يمكن لهذا البلد أن يدخل موسوعة غينيس , كأكبر بلد في العالم بعدد الحروب والمعارك التي حققها طوال نصف قرن من الزمن . ومع يقيني واعتقادي أن افتعال هذه الحرب وفي هذا التوقيت بالذات , بين فريقين من القوى الدينية , يأتي في سياق مخطط لإفشال مؤتمر الحوار الوطني وإرباك الحياة السياسية , فإن استمرارها وطول أمدها , قد يفسح المجال لتدخل خارجي لاسيما وطرفا الصراع يتعصب كل منهما لخندق من خنادق الصراع الطائفي في المنطقة , وهو الصراع الذي تغذيه وتتحكم بمجرياته القوى الكبرى في العالم , وعبر عدد من الدول الإقليمية ابرزها جمهورية ايران الإسلامية ذات المشروع الفارسي , ما يعني أن وطننا قد يصبح ساحة مفتوحة لصراع إقليمي طائفي سياسي وبعباءة دينية تسيء للإسلام وللمسلمين . ومما لا شك فيه أن استمرار غياب الدولة وغياب المشروع الوطني وضعف الهوية الوطنية وتراجع الأحزاب والقوى والمنظمات المدنية في نشاطها وتأثيرها , كل ذلك سيسهم في بروز مراكز قوى تقليدية جديدة , تسعى لبسط نفوذها وإحكام سيطرتها على الساحة , ووصولاً إلى امتلاك القرار السياسي تحت أي مسمى كان ديني أو مذهبي أو طائفي أو قبلي , وبالتالي ستصبح هذه القوى هي سيدة الموقف وصاحبة القرار , ولها يرجع القول الفصل في صناعة المستقبل ورسم ملامح المراحل القادمة , والتأريخ الجديد لبلد وشعب ظلوا وعلى مدى سنين طويلة يحلمون بدولة مدنية ديمقراطية قوية يسودها العدل والنظام والقانون والعدالة الاجتماعية والمساواة والشراكة والمشاركة . رابط المقال على الفيس بوك