بقدر ما نبتهج كمواطنين ومثقّفين بقِدم تلك الأيام المجيدة والفاصلة من تاريخ شعبنا؛ فهي أيام عظيمة بكل معنى الكلمة، ولعل من عاش ما قبلها سيدرك كم كانت الحاجة الماسة لها كثورات، وسيدرك كم كانت تلك النُخب الثورية جوّادة ومعطاءة بروحها، بل بأرواحها لنصل إلى اليوم، وينبغي ألا يعمينا الواقع الحالي أياً كانت صعوباته عن مساواته بالماضي المؤلم والمرير. ولا شك أنه واقع تشوبه أخطاء ومظالم عانتها هذه المرحلة، ولكن المطلوب حالياً هو كيف نحافظ على منجزات جيل ضحّى حتى قدّم إلينا ثلاثية بديعة ورائعة؛ ثلاثية جدلية من التضحيات والآمال والمترجمة لأهداف أولئك الثوار والشرفاء الذين رسموا الطريق لنا لنحقّق هذه الثلاثية ال26 من سبتمبر وال14من أكتوبر وال 30 من نوفمبر 67م يضاف إليها ال22 من مايو العظيم. وإن كانت تلك منجزات عظيمة لرعيل من الثوّار والمثقفين، لعله من الواجب لجيل تلك الثلاثيات + الرابعة وجيل ترعرع في أحضانها أن يتذكّر الجميع تلك الأحداث العظيمة التي وجدت بتضحيات ودماء زكية هي وقود اليوم والمستقبل، ولا يمكن السير دون الاعتبار لذلك. وينبغي القول إن صعوبات ومعوّقات الماضي لا ينبغي القفز عليها والبحث عن حلول لا تلامس جل رموزها ولا تذهب إلى أقصر الطرق؛ بل لأبد من التعمُّق بأهداف الثورتين ومعطيات الوحدة والنأي بهذه المنجزات بعيداً عن العصبوية والمناطقية وتجفيف منابع الفساد ومعالجة ما تم القفز عليه، واسترجاع مقدّرات الوطن من العابثين والحيلولة دون استمرار ذلك، وبسط سلطة النظام والقانون، واحترام الحقوق على أساس من المواطنة الصالحة، والحرص على تسخير إمكانيات الوطن لصالح خطط التنمية، فهي التي ستسدُّ منابع الأمية والجهل والتطرُّف والإرهاب، فالتعليم وفرص العمل سبيلان للحد من ذلك، وإذا ما أردنا الحفاظ على تلك المآثر الوطنية فإن رؤية مستقبلية تنموية ثاقبة بعيدة عن التناحرات ومستوعبة الصراحة والشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية هي الشفاء للوطن. إن ما يؤسف له هو أن التحوّلات العالمية والإقليمية كانت لها انعكاسات على مخرجات منجزات شعبنا طيلة ال 50 سنة الماضية؛ ليس بسبب هذه التحوّلات وإنما بسبب ضعف فهمنا لها ومن ناحية ضعف مواكبة القيادات السياسية سابقاً، والذهاب إلى هذه التحوّلات للأخذ منها وليس للإضافة إليها، كون سوء إدارة هذه القيادات للبلد ثروة بشرية وطبيعية؛ ارتضت بالاستضعاف والتبعية كونها كرّست حالة التخلُّف والأمية، ُتضاف إليها حالات الصراعات الداخلية، وهي ما شهدتها فترة الحرب الباردة والفرز السياسي والتنموي رأسمالي - اشتراكي وما نلناه من حالة التشظي للمعسكر الاشتراكي، رغم بقاء بعض منه مثل الصين صامداً. وكم كانت فرصة تاريخية لنا نحن اليمنيين بقيام الوحدة ما لبث أن عصفوا بها وتفرّق قوم سبأ، ولكن حكمتهم الأزلية القديمة والمعاصرة ستكون كفيلة برأب الصدع وإخراج الوطن من شبح الأنانية وسيطرة فئة قليلة على الثروة، وللأسف هذا أمر مسكوت عنه بتعمُّد وإبراز بعض المتنفّذين لمشاكل مذهبية طائفية، وما جدلية الضرب لمواقع النفط والكهرباء إلا نموذج هو الآخر محرج، فالضاربون هم يمنيون خانهم التعبير وتطبّعوا وارتضوا بتوجيه اللوم لهم وأسرهم وقبيلتهم الذين كان لهم شرف المشاركة في الثورات اليمنية، بل الثورة الشعبية السلمية، وأن قواها ماضية في التغيير السلمي؛ وهي تحتاج إلى أداة فاعلة لصناعة المستقبل، وهي خلاصة الوعي المجتمعي من كفاءات وطنية عليها حمل راية التغيير والتنمية، وأن تضع نصب عينيها ذلك التاريخ الوطني والثورة ودحر نظام الإمامة والاستعمار. إننا اليوم على أعتاب مرحلة سياسية مهمة بيد الواقفين عليها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2013م، إننا نعض بالنواجذ لتبقى اليمن حرّة عزيزة موحّدة بعيدة عن النمطية، بل عبر حكم رشيد يحترم الإنسان ويضع قيم المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، ويتخلّص من ثقافة الفيد والبسط والتحايل على الوظيفة العامة واستغلال النفوذ لقيام شركات أبرز ما تدين صاحبها في ذلك التخفّي وتارة أخرى خلق بؤر فوضى. وكم هو الوطن صبور وعزيز لم يرفض أو يلفظ هؤلاء كأن يُسقط عنهم الانتماء، ولكنها خطايا يعرفها الخاطئ، ولعل إبقاء الوطن في هذا الوضع المزري ستحاسبهم عليه الأجيال وسيحاسبهم الله، فهذه جرائم لا تسقط بالتقادم، وقبله صحوة ضمير للكف عن ذلك والتطهر منه حتى لا تبقى صورهم وأعمالهم المشينة في التاريخ، وستلحق بهم ومن تبعهم بصمات اللا وطنية والأنانية والأذى. رابط المقال على الفيس بوك