الحنين إلى الماضي يعود بقوة ويحاول فرض نفسه على كل المستويات، أساطير تقزيم التغيير وجدت لها متسعا عند الكثيرين من ذوي الرأي وطغت عليهم ،خرافات تنغيص متعة الانتقال إلى حياة جديدة وجدت لها مسوّقين على مستوى كبير من الكفاءة والخبرة. أجدبت أرض القلوب وسيق صالحوها إلى كواليس مهاترات ليس فيها ذرة فائدة تعود على الوطن. يطل المتفننون في صناعة الأزمات برؤوسهم من حين لآخر لإشعالها، إنها شغلهم الشاغل الذي لا يجيدون غيره، عليه جبلوا وعليه تربوا وترعرعوا وكذلك اصبحوا اليوم فمخالفة العادة عندهم عداوة حتى وان كانت تحمل لهم ضدّية العالمين. إنها نشوة الهدم التي لا يعجبها أي جميل ولا تستطيع أن تحتمل محاسن الآخرين ولا مقام لها في مكان يمكن للتغيير أن يطاله يوماً ما. لا نستطيع العيش في وطن ومثل هذه الممارسات تتسيده وذويها ينغصونه علينا، ثم إذا ما أردنا لأنفسنا التخلص منهم بسبل ليس فيها لبس تقمصوا أدواراً أخرى ليذيقونا سوء العذاب تنكيلا في المعاش ومحاربة في الخدمات ومحاولة العودة على حساب أشلائنا ودمائنا وأرواحنا. نعم لن ترتاح ضمائرهم حتى يعودوا وان لم يعودوا فإنهم سيظلون بنا متربصين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وبكل الطرق المتاحة وغير المتاحة. لا أتمنى أن تدركوا أن اليأس بدأ يتسلل إلى نفسي لا ليس كذلك بل الواقع المعايش يرفدني بمثل هكذا شواهد تُستنبط بالإدراك للمحاولات المستميتة القائمة على الابتزاز بأنواعه والمناورة ولو على حساب اليمن. أن اليد لا تزال على الزناد فإذا الرياح جاءت بما لا تشتهيه سفنهم فإنهم سيخلدون إلى زعزعة امننا واستقرارنا وان كانوا في الحقيقة قد بدأوا بذلك ولكن على استحياء. ثمة متغيرات بدت على الساحة الوطنية لا تواكب طموحاتهم في العودة إلى المسار القديم وعديد أمور طغت على وقائع مؤتمر الحوار وكأنها قاسمة لظهورهم لم يحسبوا لها يوما حساب. هؤلاء وصل بهم الأثر الشخصي والانشداد إليه والحنين إلى أيامه الجميلة - حسب قولهم - أن يختلفوا على اليمن! اليمن.. الأم الحانية، الأرض الواسعة ،الجنة الخالدة التي لا تستحق أن تضام أو تصبح موضع خلاف، البلاد التي اتسعت للجميع دون أن تفرق بينهم احتوتهم على اختلاف إيدلوجياتهم وأفكارهم وكانت لهم الموطأ الخصب دون مرارة وما زالت. يختلفون عليها اليوم لمجرد أن أعطت لهم فرصة المشاركة في بنائها وإعلان مرحلة جديدة تقوم على أسس بنّاءة لعهد جديد أكثر إشراقاً ورقياً. لا نريد أن يصل بنا الحال كما وصل بذلك الشاعر الذي وقف على أطلال وطنه يخاطب السماء: وطن النجوم أنا هنا حدّق أتعرف من أنا؟! أنا ذلك الولد الذي دنياه كانت ههنا ! فلم يُجدِه شعره نفعا غير انه تشرف بمخاطبة السماء حيث النجوم ولا ينفع التشرف بأن تشاهد نجوم السماء وطنه وقد أضنته المشاكل والانكسارات بفعله وبفعل من ماثله ولم يبق لهم غير الأطلال يتباكون عليها. كم هو مخزٍ أن يحاول بعض من أتيحت لهم الفرصة في رسم ملامح الوطن القادم تفتيت عضدنا والنيل من عزيمة بلادنا . إن الوطن مثقل بالهموم فلا تزيدوه أيها المختلفون إلى همومه هموماً، ويحتاج إلى وقفة جادة منكم فأصدقوه الموعد وكونوا كما يتمنى متفقين متحدين على فتح النوافذ لدخول أشعة الأمل لما هو قادم من مخرجات الحوار ومكتسباته ولا تتصيدوا في الماء العكر وتكونوا بذلك حجر عثرة في طريق النقلة النوعية المنشودة. إن اليمن تستحق منكم الوفاء لا الجفاء، الوحدة لا التفرقة، البناء لا الهدم، فلا تختلفوا إن كنتم بما ستتفقون عليه تصنعون آمال اليمن وطموحات شعبها وأهداف ثوراتها. أيها المختلفون كفاكم اختلافاً وهبوا جميعاً لترسموا على هامة اليمن قُبلة المحبة والمودة والوئام التي بها نصبح أكثر وحدة واكثر التئاماً وانشدوا مستقبلها بالخير بعيداً عن تعاسة ماضيها الأليم ...