الإقدامات في صنع الخير والشر لابد وان تحلق في الفضاء الكوني والإنساني بحجم ربما يفوق الفعل نفسه ,ومهما اعتبره الإنسان في خانه الإهمال والتجاهل فهو لابد وان يفوح كالروائح الزكية حيث تبقى المسافة بين فترة الزرع والحصد وجيزة وأكثر قرباً من الانتظار ..فذلك الوصف من المدح والثناء الذي قاله الحبيب المصطفى “محمد” صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن “أتاك أهل اليمن هم ارق قلوب والين أفئدة ..الإيمان يمان والحكمة يمانية” لم يأت من مجرد رؤيته لهم أو إشفاق عليهم بل سبقه ناتج فعلي عكس اليمانيون من خلاله مضمونهم الروحي وملامح الإنسانية الفذة التي نالت رضا وقناعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بمدى فقاهة الفطنة وحكمة القول والفعل التي يتحلى بهاء هؤلاء القوم ..من شواهد الواقع الحي أننا لم نحافظ على تلك المكانة ,ولم نقف حتى على أعتابها بل تجاوزنا حدود البعد عنها حتى المغيب ,ونفس الألم يتكرر معنا في موجات الحنين على أرض لطالما بلغ صيتها عنان السماء .حين كانت الألقاب والأسماء تنقش بل وتحفر على أيدي الزائرين والمستشرقين من عشاق التاريخ الحضاري وفناني الطبيعة الساحرة وتجار كنوز الأرض .عندما كانت الأيادي اليمنية صديق ورفيق لا تفارق حبيبات الرمل في تربتها الطهور فكانت ثمار بذورها الزراعية تسطح ببريقها كل بقاع العالم ,والذين كان بلوغ التعبير لديهم عن جمالها ومذاق طينتها هو ذلك الكم الهائل من الألقاب ..فقد اطلق عليها – اليمن السعيد- وأربيا فليكس ,وهو مصطلح تداوله المستشرقون الإنجليز كرمز لبلاد العود والطيب والبخور .كما جاء مصطلح –موكا- الذي يعلق إلى اليوم كيافطات على اكبر المطاعم والمقاهي العالمية , وهو إشارة إلى ميناء المخا الذي اشتهر قديما بتصدير كميات كبيرة من البن اليمني الشهير والمتميز إلى جميع أنحاء العالم.وبفاصل زمني لم يتجاوز النصف قرن رصد الزمان ذلك التراجع ليأتي تعاقب الأجيال مع مراحل الدمار فيها، فكان الحكم اقسى من مرارة العناء فينا رغم إدراكنا باننا فيه الظالمون. ما يتصاعد اليوم من دخان فيها ما هو إلا صدى لآلامنا المحتضرة بين ما تصنعه أيدينا وما تجنيه أحضاننا. فنحن من يحرق الأغصان قبل تفتح الزهور فيها, ونحن من يقطع كل خيوط أنوار المستقبل حتى لا تشرق علينا, وبأيدينا تحولت أربيا فيلكس إلى دخان تعلو مع تصاعده آلامنا المتحسرة ,وأسوار نسحق على أعتابها تاريخ أمجادنا وبطولاتنا الخالدة. في كل يوم يمر من عمرنا وجرحنا الوطني ينزف وصدى صرخة أعضائه المناشدة أن أطفئوا نار الفتنة فإن العالم يتمتع بمشاهدة دخانها المتصاعد مشيرين بسبابتهم صوب أرضنا الحبيبة . إنها تحترق فلا تقربوها لم تعد سعيدة .لا شيء سوى هذا الحكم نتاج لما اقترفته نفوس وأيادي الشر فينا. رابط المقال على الفيس بوك